مقالات الرأي

ليبيا بعد عقد ونصف من إسقاط النظام

بقلم/ علي عمر الحسناوي

مضت أربعة عشر عامًا على إسقاط النظام السياسي في ليبيا عام 2011، جريمة نفذها حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تحت غطاء زائف من الشعارات البراقة، ففتح بذلك أبواب الفوضى والدمار على مصراعيها.

في البداية، استبشر العديد من البسطاء بالتغيير، لا عن دراية بحقيقة ما يجري، بل طمعًا في حلم كاذب بأن القادم سيكون أفضل، لكن من كانوا على دراية بخفايا الأمور، ومن شاركوا في عملية الإسقاط، وكذلك الناقمون على النظام، اجتمعوا جميعًا على اقتسام الغنيمة. فاستولوا على مفاصل الدولة، كلٌ وفق مصالحه وبحجم نفوذه، ليكوّنوا مراكز قوى تتحكم في مقدرات الوطن وتنهب خيراته.

نتيجةً للنهج الذي سقطت به مؤسسات الدولة، انتشرت الفوضى، وعمّ السلاح بكل أنواعه، ما أدى إلى ظهور كيانات عسكرية ومليشيات مسلحة في مختلف أنحاء ليبيا. تحولت هذه الجماعات إلى قوى أمر واقع، تضخمت، تنافست، تصادمت، وتصفت فيما بينها، حتى استقرت في شكل “كيانات شبه رسمية”، تتحكم فعليًا في المشهد العام، وكأنها دولٌ مصغرة داخل الدولة، وأدى انتشار الفوضى والسلاح إلى سقوط مئات الضحايا من المدنيين، إلى جانب خسائر مادية هائلة في الممتلكات العامة والخاصة. وعلى الرغم من محاولات عديدة لإنقاذ البلاد ورسم طريق للخروج من الأزمة، فإن جميع المبادرات أُجهضت، وزاد التشظي والانقسام. وتعاظمت قوة أصحاب النفوذ العسكري، الذين استماتوا في الدفاع عن مكاسبهم غير المشروعة، خشية المحاسبة على جرائمهم المتعددة.

لم يكن تدمير الدولة مجرد كارثة محلية، بل فتح الباب أمام صراعات مسلحة بين المناطق، ما أدى إلى تقسيم ليبيا فعليًا إلى مناطق نفوذ متناحرة في الشرق والغرب والجنوب. وبدلًا من أن تعمل الأمم المتحدة على حل الأزمة، استغلت الوضع – كما أرادت القوى الغربية – ووضعت ليبيا تحت الفصل السابع، لترسّخ الهيمنة الأجنبية وتدير الأزمة بدلًا من حلها. فأُرسِل أكثر من عشرة مبعوثين أمميين، تحت ذريعة مساعدة الليبيين في بناء نظام سياسي، لكن في الحقيقة، كان المطلوب إفشال كل المحاولات ومنع قيام أي دولة مستقرة.

وفي خضم هذه الفوضى، نُهِبت ثروات ليبيا الطائلة بأرقام فلكية، واستشرى الفساد في كل جانب، حتى صار الوضع كارثيًا على جميع المستويات، ولكن رغم الظلام الحالك، أدرك الكثير من الليبيين المخلصين حجم الكارثة، وبذلوا جهودًا حثيثة لإصلاح الوضع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. إلا أن كل هذه المحاولات أُحبطت بسبب التدخلات الخارجية، من قوى كبرى ودول عربية حاقدة، لا تريد الخير لليبيا ولا لشعبها.

واليوم، ونحن في العام الرابع عشر بعد جريمة 2011، لا يزال الوطنيون الصادقون يسابقون الزمن في محاولة للوصول بليبيا إلى بر الأمان، وتأسيس الدولة التي حُرِم منها الليبيون لسنوات. لكن في المقابل، أولئك الذين نهبوا الثروات واحتكروا المناصب وترسخوا في مواقعهم، لن يكونوا جزءًا من أي دولة حقيقية، أما الواهمون الذين يظنون أنهم أصبحوا أكبر من ليبيا وأكبر من الزمن، فهؤلاء لا يستحقون حتى الحديث عنهم: “فذرهم في غيهم يعمهون”.

ودوام الحال من المحال، والتاريخ مليء بالدروس والعبر، “وتلك الأيام نداولها بين الناس”، فمن يظن أن السلطة والغنائم ستدوم له، فلينظر إلى من سبقوه، فلو دامت لغيرهم لما وصلت إليهم، حفظ الله ليبيا، وأعاد إليها عزتها واستقرارها بجهود أبنائها المخلصين، الذين لا يزالون يحلمون بوطن مزدهر ينعم بالخير والرخاء.

زر الذهاب إلى الأعلى