جرس إنذار في مواجهة حماقة ترامب
بقلم/ محمد علوش
وتبقى الإدارات الأمريكية المتعاقبة حليفًا أساسيًّا لإسرائيل، الكيان الوظيفي الفاشي القائم في خدمة السياسات والأطماع الأمريكية، ومن جديد يطل علينا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد تنصيبه في البيت الأبيض وخلال استقباله لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، حيث يكشف نواياه الحقيقية بدعوته إلى ترحيل كل سكان غزة، وهذه بطبيعة الحال عملية تطهير عرقي لا تراعي أي احترام للقانون الدولي والشرعية الدولية، والأهم من كل ذلك هو أنه لا يحترم منظومة الأمم المتحدة ويريد تقويضها، وهناك خطر كبير على السلم والأمن العالميين، من وراء استمرار هذا النهج الاستفزازي والعدواني، الذي يدعو إليه ترامب وإدارته الجديدة، حيث تابعنا العديد من مواقف الدول التي اعتبرت تلك تصريحات تهديدًا فعليًّا للاستقرار العالمي.
ففي تصعيد خطير للدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في حربها الإبادية والتدميرية على الشعب الفلسطيني، أعلن ترامب مخططًا يقضي بالاحتلال المباشر لقطاع غزة، وفرض ما يعتبره “ملكية دائمة” عليه، وإجلاء سكانه بتهجير مليوني فلسطيني منه، وتكشف هذه الجريمة الجديدة ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني ومخطط التهجير والتطهير العرقي في غزة، التي ستفاقم المآسي التي خلفتها آلة الحرب الهمجية منذ سنة، عزم الإدارة الأمريكية على المضي قدمًا بتنفيذ مشروع ما يسمى الشرق الأوسط الجديد، ودعمها السافر لمشروع نتنياهو المتمثل بإعادة رسم خريطة المنطقة، واستئناف اتفاقات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية وفي مقدمتها السعودية، وتوسيع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في الضفة الغربية والتلويح بضم أجزاء منها إلى إسرائيل، تكريسًا لسياسة تهويد وأسرلة الأرض الفلسطينية ومنع قيام الدولة الفلسطينية.
هذه المشاريع المعادية لن تتحقق، فشعبنا مصمم على إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ولقد تعلمنا من نكبة 1948 ولن تعاد هذه التجربة، ومن حقنا الطبيعي أن نعيش في أرضنا وأن نبني دولتنا المستقلة على أساس قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وليعلم هذا الرئيس المنفلت والمهووس أن فلسطين ليست للبيع، ولن تكون بمثابة صفقة استثمارية لأي كان، فهي وطن لشعب لا وطن له سواها، يناضل من أجل حريته ودولته الناجزة.
إن ما نتعرض له يتطلب وضع الخلافات جانبًا، والمضي نحو تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية بشكل جدي، لتعزيز النضال المشترك في مواجهة التحديات المصيرية التي تواجه قضية شعبنا وتحاول تهجيره وتصفية قضيتنا العادلة، ولن نسمح بالمساس بحقوق شعبنا التي ناضلنا من أجلها عقودًا طويلة وقدمنا التضحيات الجسام لإنجازها، ولن يتحقق السلام العادل والشامل والمتوازن والاستقرار في المنطقة، دون إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، على حدود الرابع من حزيران لعام 1967.
وشعبنا لن يتنازل عن أرضه وحقوقه ومقدساته، وسيبقى قطاع غزة جزءًا أصيلًا من دولة فلسطين، ومن ولايتها القانونية والدستورية، والحقوق الفلسطينية المشروعة غير قابلة للتفاوض، وستبقى منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والحريصة على القرار الفلسطيني المستقل، ولن تقبل أن يتم اتخاذ أية قرارات بشأن مستقبل الشعب الفلسطيني نيابة عنها، وستبقى مواقفنا الثابتة والراسخة ضد التهجير والضم، والتمسك بتجسيد الدولة الفلسطينية كمتطلب أساس لتحقيق السلام في المنطقة، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
وواهم من يعتقد أن ارتكاب جريمة جديدة ضد الإنسانية ستحقق الأمن والاستقرار، بل ستطيل الصراع أكثر، وستجعله أكثر وحشية، وهذا امتحان جديد أمام العالم، خاصة أولئك الذين مدّوا أياديهم دعمًا لحرب الإبادة في بدايتها، ولقد آن الأوان لترجمة الرفض الدولي لتصريحات ترامب بتشكيل جبهة دولية تلزم الاحتلال بوقف العدوان وإجراءات الضم، وإنهاء الاحتلال، والمطالبة بعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار قطاع غزة الذي دمره العدوان الغاشم، وكذلك بالدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة، وهذه المواقف الدولية يمكن البناء عليها بخطة عمل واضحة، باعتبار أن تصريحات ترامب تتناقض مع القوانين الدولية، وتعكس تنسيقًا عميقًا بين اليمين الأمريكي واليمين الإسرائيلي، وتكشف حقائق المخططات الاستراتيجية التي تهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة لصالح المشروع الصهيوني، وهو ما يؤثر على مصالح شعوب ودول المنطقة.
لقد انعكس صدى مواقف ترامب في العالم، وأظهرت العديد من الدول والمؤسسات الدولية أشكالًا من الاستهجان، لكون هذه التصريحات جرس إنذار، ليس فقط للفلسطينيين، بل لكل العرب وللعالم عمومًا، حيث تضع الإدارة الأمريكية عبر سياساتها الخارجية الأسس الصلبة التي توحد حركات اليمين المتطرف الغربي، مع التطرّف الإسرائيلي، وتنتهي مياهها، بالتأكيد، في مجاري أنظمة الاستبداد والتطرف في العالم، وهذا ما يطالب كافة مكونات المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المتعددة لرفع صوتها من أجل الحفاظ على صون الاستقرار الدولي ومنع التحالف الأمريكي الإسرائيلي من ارتكاب المزيد من الحماقات التي لا تخدم مستقبل المنطقة.