مقالات الرأي

عندما يتحول المواطن إلى ورقة ورقم

بقلم/ ناجي إبراهيم 

الغرب يدعي أن ديمقراطية الصندوق تتيح تداولا سلميا على السلطة، من ناحية شكلية يظهر أنه صحيح، ولكن من حيث الجوهر هي طريق قد يأتي بالإرهابيين والمتطرفين وتجار الحروب للسلطة في دول تمتلك الأسلحة النووية والأكثر فتكا وتتحول تلك القدرات إلى خطر يهدد الأمن والسلام العالمي، ويوضع المواطن بين خيارات محدودة بين السيئ والأكثر سوءا أو مقاطعة العملية السياسية التي تنتج حكاما لا يتمتعون بشرعية شعبية، وفي سعيهم إلى تجديد شرعيتهم في دورات قادمة قد يمارسون سياسات ويتبنون مواقف ومشاريع خطيرة ومدمرة. 

الثنائية الحزبية التي يتأسس عليها النظام السياسي الأمريكي وبعض دول الغرب الاستعماري لا تتيح للناخب إلا خيارين أو لونين يختلفان في الآليات ويتقاطعان في الأهداف والغايات التي هي في الواقع لا ترسم في البيت الأبيض، بل هي مصالح مجموعة من المنظمات والشركات والفاعلين الاقتصاديين، وأموالهم ونفوذهم ومؤسساتهم الإعلامية والبحثية لها الدور المهم والأبرز لتحديد من يسكن البيت الأبيض، والمتابع للسباقات الانتخابية في النظم السياسية الغربية سيجد الناخب ملزما ومضطرا إلى تبنيه مصالح الجماعات المصلحية وتحويلها إلى سياسات ومراسيم وقرارات، ولا يختلف الوضع في البرلمانات التي هي الأخرى تتبنى ذات المصالح وتعهدت مسبقًا بالالتزام بها لنيل دعم وإمكانات تلك الجماعات، ومن يشذ عن تبني طموحات تجار السلاح وشركات البترول فلن يجد له مكانا في السلطتين، أما القضاء فسيكون تعبيرا عن السلطة التي تمتلك الأغلبية في البرلمان وصاحب القرار في السلطة التنفيذية، وما تصدره من قرارات وما تتبناه من سياسات لا يعبر عن قناعات الأشخاص الطبيعيين، بل هي تعبير عن رغبات القوى الضاغطة، وهذا ما عبر عنه أغلب القيادات التي سكنت مركز القرار في السلطتين عندما أعلنوا عن أسفهم عن السياسات التي مارسوها وتسببت في جرائم حرب ضد الإنسانية، وأنهم كانوا متأثرين بتقارير كاذبة ومزورة وملفقة ارتكبوا كل تلك الجرائم البشعة، والسؤال من أين تأتي هذه التقارير؟

الناخب في هذه البلدان ينتهي تأثيره بإغلاق الصناديق وهو مدفوع بمجموعة من الوعود التي يقدمها المترشحين ومشحونون بكم كبير من الصور والدعايات التي تقدمها وسائل الإعلام التي تحركها مصالح مموليها من جماعات الضغط، ويصبح تعبيره في الشارع مجرد مكاء وتصلية لا تجد لها أذنا في مراكز صنع القرار، بل ستواجه بعصا البوليس الغليظة بحجة حماية الأمن وستطاردها عصا القانون وتضعها تحت طائلة معاداة السامية وتخريب السلم الأهلي ودعم الإرهاب، من نجا من واحدة ستطاله الأخرى وتطبق ضدهم أشد العقوبات وسط تعتيم وتزوير إعلامي لقلب الحقائق وسلخها عن سياقها، لا أحد ينتقد هذه السياسات الديكتاتورية حتى لا يتهم بمعاداة الديمقراطية وتبنيه أفكارا ديكتاتورية تدعمها روسيا وإيران، ويجد المواطن نفسه أمام تهمة التخابر مع دول أجنبية معادية، فالشعب مصدر السلطات والنائب ممثل للشعب، والشعب يقرر، جميع هذه الشعارات تسقط بمجرد إغلاق الصناديق، وتعكس تناقضا واضحا بينها وبين الممارسات الواقعية التي تخفي وراءها نظما دكتاتورية ورثوها عن العصور الوسطى دكتاتور بالوراثة ودكتاتور بالصندوق، الأول يطبق قانونا يكتبه ويطبقه، والثاني يطبق قانونا لا يكتبه، ولكنه ينطق تعسفا وقهرا وقمعا.

لا نحتاج إلى كثير من التحليل لكي نكشف زيف الديمقراطية الغربية، فقط يكفي أنها تتناقض في ممارساتها وآلياتها مع المفهوم في تغييب كامل وتام للشعب الذي تتأسس عليه الديمقراطية منذ منشئها الآتيني، وفي الواقع النيابي المبرر لتجاوز الشعب الذي لا يمكن جمعه في مكان واحد كما يدعون سياساتهم لا تعبر عن الرغبات الجماهيرية، لماذا لم يستمع بايدن إلى المطالبات التي انطلقت في الشارع والجامعات الأمريكية تطالب بوقف العدوان على الشعب الفلسطيني ودعمه في حق تقرير المصير؟ ويأتي قرار ترامب بتهجير الشعب الفلسطيني قسرًا ليضرب عرض الحائط بقرار الشعب الأمريكي الذي طالب بدعم الشعب الفلسطيني إقامة دولة على ترابه، وكان هذا القرار استكمالا لمشروع بدأه بايدن عن طريق الرصيف العائم الذي أقامه على ساحل غزة ظنا منه أنه يقدم لهم طوق النجاة من الموت الذي تنفذه الآلة الصهيونية بدعم ومشاركة أمريكية واصطدم بإصرار فلسطيني بأرضهم رغم الدمار والخراب والموت الذي يتربصهم واختاروا البقاء تحت وفوق تراب غزة على حياة في أي مكان آخر.

إذا ترامب لم يقدم مشروعا جديدا، بل هو مشروع الحركة الصهيونية منذ اجتياح العصابات الصهيونية لفلسطين عام 1948، وفي كل مرة تهزم مشاريع التهجير وتنتصر إرادة الفلسطينيين في البقاء، وما حدث عام النكبة لن يتكرر رغم شراسة الهجمة وصمت المجتمع العربي والدولي، ولو لا قدر الله نجحت الآلة العسكرية والدبلوماسية على إجبار سكان غزة على الهجرة، تأكدوا أنكم ستكونون المهاجرين اللاحقين من المحيط إلى الخليج، ولن يبقى في المنطقة أحد سوى خدم وحراس المشروع وماسحي الأحذية والعتالين.

زر الذهاب إلى الأعلى