خطة ترامب لتفخيخ المنطقة
بقلم/ محمد بوخروبة
تصريحات دونالد ترامب العجيبة في هذا اليوم، عن قطاع غزة وغيره، تذكرنا بالأباطرة الرومان القدامى الموصومين بالجنون، إنها تصريحات تؤكد أن أمم العالم محكومة جميعها حاليا من قبل جماعة خفية صهيونية ربوية تقف خلف هذا الإمبراطور الذي يبدو غريب الأطوار، فهي توجهه وتتعامل من خلاله مع الحكومات في جميع العواصم، كأنها ليست حكومات، بل مجرد دمى طيعة، بما فيها حكومة الولايات المتحدة، إنها جماعة شغلها وشاغلها الوحيد تحقيق سيطرتها وسيادتها كمالكة لكتلة الرساميل الربوية الدولية العظمى، فهي تتعمد اصطناع الكوارث في مختلف أنحاء العالم بهدف إخضاع الأمم كلها تماما، حتى لو اقتضى الأمر تدمير بعض الأمم أو إفناءها، إنها تفعل ذلك من دون أدنى شفقة أو رحمة، وبطرائق هوليوودية إن كانت تصح في السينما فهي لا تصح أبدًا في الحياة الطبيعية، وتأتي الأمة العربية في مقدمة ضحايا هذه الجماعة، وإنه لمن المحال استمرار هذا الحال اللامعقول، بل الجنوني على ما هو عليه، ولا بد من أن ينقلب السحر على الساحر ويتحقق خلاص الأمم.
لم تكن تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حول مطالبة البلدان العربية المحيطة، بفلسطين التاريخية، وتحديدا الأردن ومصر، وبلدان عربية أخرى، بترحيل سكان غزة، إلى بلدانهم، مفاجئة لمن تتبعوا سيرة ترامب السياسية، ففي دورته الرئاسية الأولى، اعترف بالقدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، خلافا لقرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، اللذين نصا على الانسحاب الكامل لجيش الاحتلال الإسرائيلي، إلى حدود ما قبل الخامس من يونيو 1967، ورفض نتائج احتلال الأراضي بالقوة المسلحة.
تصريحات ترامب، تأتي متسقة، مع نهجه العنصري المعادي لتطلعات الفلسطينيين في الاستقلال، وحقهم في تقرير المصير، وما مطالبته بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتبادل الأسرى من الجانبين، سوى محطة أخرى، من أوجه سياساته المغرقة في عنصريتها، فوفقا لتصريحاته، فإن الهدف من وقف إطلاق النار، هو عودة الأسرى الإسرائيليين إلى درياهم، أما الفلسطينيون، فإنهم يعودون ضمن شروط، تمنع عن أهاليهم، حتى حق إبداء ابتهاجهم بعودة أبنائهم، وتضع شروطا على إطلاق سراح بعض الأسرى، الذين صنفوا في خانة الخطرين، حيث مصيرهم المنافي، بعد الإفراج عنهم، وليس العودة إلى بيوتهم وأهلهم.
الأمر الذي فات الكيان الإسرائيلي، وراعيه دونالد ترامب، والذي لم يكن في الحسبان، هو ردة الفعل العربية، الرسمية والشعبية، تجاه تصريحات ترامب، التي بدت في سابقة لم تشهدها المنطقة، منذ عقود طويلة، فقد أكد العرب تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، مؤكدين مجددا مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي، ففي بيان عربي مشترك، صدر في القاهرة، السبت الماضي، جاء بعد اجتماع لوزراء خارجية مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمين العام لجامعة الدول العربية، أكد المشاركون رفضهم لفكرة تهجير الفلسطينيين، خارج أراضيهم، تحت أي ظرف من الظروف. وأوضحوا رغبتهم في التعاون مع إدارة الرئيس الأمريكي، ترامب، لتحقيق السلام العادل والشامل، في الشرق الأوسط، وفقا لحل الدولتين، والعمل على إخلاء المنطقة من النزاعات.
إن الرئيس ترامب، بدعوته القادة العرب للقبول بسياساته العنصرية، يتناسى عن عمد، أنه يتعامل مع دول مستقلة، وأن حديثه عن حماية أمريكا لهذه الدول، هو أمر مجاف للواقع، فليس هناك تهديد للأمن القومي العربي، من قبل أي كان، سوى النهج التوسعي والعدواني، للقوى الإقليمية، وعلى رأسها الكيان الإسرائيلي، الذي يتمتع بحماية مطلقة، من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وقد قدم الفلسطينيون في سبيل ذلك، قوافل الشهداء، وكانت انتفاضة أطفال الحجارة، علامة مضيئة في التاريخ الفلسطيني، بهرت جميع شعوب العالم، واعترف بفاعليتها القاصي والداني، وعلى المستوى الشعبي، تظاهر الفلسطينيون، في خان يونس، بقطاع غزة احتجاجا ورفضا لتصريحات ترامب، كما شهدت مصر والأردن مظاهرات صاخبة، رفضا لتلك التصريحات.
أمام التضامن العربي الواسع، وغير المسبوق منذ عقود طويلة، آن للرئيس الأمريكي، ومختلف أركان إدارته، أن يدركوا استحالة عبور مشاريع التصفية، وأن يتخلوا عن أوهامهم في شطب الهوية الفلسطينية، من الذاكرة العربية، فقد بات التمسك بحق الفلسطينيين، في أرضهم عنوانا للكبرياء العربية، وإذا طمحت إدارة ترامب لتحقيق السلام، فأول شروط ذلك هو الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في إقامة دولته المستقلة، فوق ترابه الوطني، وأن تبقى حاضرة للأبد مقولة، ما ضاع حق وراءه مطالب.