مقالات الرأي

خرائط الدم!!

بقلم/ مصطفى الزائدي

التصريحات الغريبة لترامب حول رؤيته لحل القضية الفلسطينية بتهجير سكان غزة إلى مصر والأردن وإندونيسيا والصومال وتسليم القطاع إلى أمريكا على أسس تجارية حسب قوله لتحويلها إلى ريفيرا الشرق الأوسط، لم تكن زلات لسان من رئيس أقوى دولة في العالم، وليست حالة خطابية جوفاء، وليست لاستجداء دعم اللوبي اليهودي في انتخابات، بل هي موقف مخطط ومرسوم وسبق تسريبه منذ سنوات، فترامب يعمل كموظف لدى المؤسسة الصهيونية في البيت الأبيض!

السؤال: ما الأهداف الخفية للمشروع؟ ولماذا “ريفيرا الشرق الأوسط”؟
أتصور أن أهم أهداف الخطة هو إسقاط الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني وتحويل غزة كنموذج لمستقبل فلسطين إلى مشروع اقتصادي لتحويل الانتباه عن المطالب الأساسية للفلسطينيين مثل إنهاء الاحتلال وحق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية وعودة النازحين واللاجئين إلى فلسطين.

وثانيا خدمة الأمن للكيان المغتصب لفلسطين، وتعزيز سيطرته على غزة تحت ذريعة “التنمية”.

وثالثا إفراغ القضية من محتواها بتحويل الصراع من قضية تحرر وطني إلى مجرد “أزمة إنسانية” قابلة للحل عبر المساعدات المالية، بما يخدم الرواية الصهيونية القائلة بأن الفلسطينيين يبحثون عن “حياة أفضل” وليس دولة.

ورابعا، تهجير الفلسطينيين عبر جعل الحياة في القطاع مستحيلة إلا بموافقة الكيان. 

إنها فكرة شيطانية لتصفية القضية الفلسطينية تحت شعارات زائفة مثل “الازدهار”، بينما يركز الكيان على تعزيز وجوده كدولة فصل عنصري بغطاء دولي.

تصفية القضية الفلسطينية هي جزء من مشروع أوسع سماه شمعون بيريز الشرق الأوسط الجديد، بحيث يعاد تخريط المنطقة سياسيا لتكون إسرائيل هي الدولة الأكبر والأقوى والمحتكرة لمقدرات المنطقة الاقتصادية والتكنولوجية.

أساس الفكرة تخطيط صهيوني وأمريكي، حيث أعلنت كوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة) عام 2008 عن وجود خطة لإعادة رسم خريطة المنطقة لخدمة مصالح الكيان أولًا، بتقسيم الدول العربية إلى كيانات صغيرة ضعيفة.

في عام 2006، نشر الضابط الأمريكي المتقاعد “دور رالف بيترز” مقالًا بعنوان “حدود الدم” اقترح فيه خريطة بديلة لسايكس بيكو، تقسم المنطقة بناءً على الانقسامات الطائفية والعرقية، مدعيًا أن ذلك سيخلق “توازنًا” جديدًا.

حيث اقترحت الخريطة تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات، دولة كردية في الشمال، تضم أجزاء من سوريا وتركيا، وتكون حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة والكيان، ودولة سنية في الوسط، ودولة شيعية في الجنوب، تشمل مناطق من إيران (مثل الأحواز) والجزء الشرقي من السعودية.

وتقسم سوريا ولبنان إلى دولة سنية وأخرى علوية ودولة درزية ودولة مسيحية.

أما السعودية فتُقتطع أجزاء منها لصالح الأردن واليمن، ويُقسَّم الباقي إلى دولة سعودية سعودية مع إضافة كيان في الحجاز “الدولة الإسلامية المقدسة”.

وتتوسع إسرائيل بضم الأردن وأجزاء من السعودية وسيناء وجنوب سوريا، ليبيا تُقسَّم إلى ثلاث دويلات (طرابلس، برقة، فزان) بناءً على مواردها الطبيعية.

اليمن يقسم إلى جنوب وشمال.
واقترحت الخطة آليات لتنفيذ الخريطة، ومن أهمها تفعيل الصراعات الداخلية باستخدام النزاعات الطائفية (مثل السنّة والشيعة في العراق) أو العرقية (مثل الأكراد) لإضعاف الحكومات المركزية.

ومشروع صفقة القرن التي تشمل مقايضة أراض بين الأردن والسعودية، والتطبيع السياسي والاقتصادي لدمج الكيان في الاقتصادات العربية عبر مشاريع الطاقة والتكنولوجيا.

وتوجد أهداف معلنة وأخرى مخفية لتلك الخطة، المعلن منها حماية الأقليات وإنهاء الصراعات عبر “حدود عادلة”، أما المخفي فهو تعزيز هيمنة الكيان كقوة إقليمية عظمى، والسيطرة على الموارد الطبيعية (النفط، الغاز) لصالح القوى الغربية، وإضعاف الدول العربية لمنع ظهور تحالفات معادية للكيان أو الغرب.

لكن توجد تحديات حقيقية تواجه هذا المشروع أهمها الفلسطينيون الذين يُعتبرون العقبة الرئيسية، لذلك تعمل الخطة على تصفية قضيتهم عبر التطبيع وتبادل الأراضي، وأيضا الموقف العربي، فرغم ضعفه وإنهاك الدول العربية في معارك داخلية متواصلة لعقود وشدة الضغط الأمريكي فإن أغلب الدول العربية ترفض المساهمة في تمرير الخطة، كذلك تطور الموقف الدولي ورفض سياسة القطب الواحد وبخاصة من روسيا وإيران اللتين تعارضان المشروع، بينما تدعمه الولايات المتحدة وحلفاؤها.

الخلاصة إن الخريطة المسربة تعكس استراتيجية طويلة الأمد لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق مصالح الكيان والغرب، مستغلةً الانقسامات الداخلية العربية والصراعات الإقليمية. بينما يُنظر إليها من جهة كـ”نظرية مؤامرة”، فإن المؤشرات على الأرض (مثل تقسيم السودان، وحرب اليمن، والأزمة السورية) تُظهر أن التفتيت قد أصبح واقعًا في بعض المناطق.

زر الذهاب إلى الأعلى