مقالات الرأي

أسباب الإعفاء من المسؤولية الإدارية 

بقلم/ غادة الصيد

مع ازدياد تدخل الإدارة، وتوسع نشاطاتها، وجب عليها أن تتقيد بمبدأ المشروعية، أي عندما يفرض القانون اتخاذ إجراء معين عليها الالتزام به، أما في حالة قيامها بتصرف غير مشروع، فإنها تكون قد ارتكبت خطأ يستوجب التعويض للمتضرر.

ولأن المسؤولية الإدارية هي وسيلة لجبر الضرر، بشرط وجود علاقة سببية بين الفعل الخاطئ والضرر، فإنه قد يتم كسر الرابط السببي بين الخطأ والضرر، بمعنى آخر إنه إذا كان الخطأ المتسبب للضرر بعيدا عن إرادة الإدارة وسيطرتها، فلا يمكن إثارة المسؤولية، بل ينبغي إعفاؤها، وهذا ما أكدت عليه المحكمة العليا في حكمها الصادر بتاريخ 14-1-2020، بقولها: “الحكومة مثل الأفراد لا تكون مسؤولة إلا إذا ثبت أن الضرر كان بسبب خارجي عن إرادتها وهو ما يوصف في حكم المادة (168) من القانون المدني بالسبب الأجنبي”.

ومن خلال ما تقدم نؤكد أن أسباب الإعفاء من المسؤولية الإدارية لا تخرج عن الأسباب التي ذكرت في المادة (168)، من القانون المدني “انتفاء المسؤولية بالسبب الأجنبي” إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور أو خطأ من الغير، كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر، ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك، وعليه فإن أسباب إعفاء الإدارة من المسؤولية تتمثل في الآتي: 

القوة القاهرة، وهي حدث لا يقاوم، ولا يمكن التنبؤ به بمعنى أنه مستقل عن قدرة الإدارة وإرادتها، فهي سبب خارجي، أي أنه ناتج عن حوادث أو ظروف طبيعية أو اقتصادية خارجية، وقد يكون الحدث قهريًّا بحيث لا يمكن مقاومته ولا يمكن التنبؤ به ولكنه ليس خارجيا، وبهذا فهو أمر مختلف عن السمات الرئيسة لحالة القوة القاهرة، ومع ذلك يمكن الاستناد إلى الظرف القاهرة، ولكن بما يسمي (بحالة الصدفة)، في هذه الحالة يكون أصل الضرر غير معروف أو داخليا للشيء الذي تسبب في الضرر كوجود عيب في المركبة الآلية أو حدوث عيب داخلي في جسر المشاة، وعلى الرغم من مشروعية الأعمال التي تقوم بها الإدارة في حالة الظروف القاهرة وعدم وجود ركن الخطأ، إلا أن وجود الضرر الواقع على الأفراد قد يرتب في بعض الأحيان به قيام حالة التعويض (جبر الضرر)، وذلك إذا نص القانون، فمسؤولية الإدارة هنا مبنية على أساس التكافل والتضامن الاجتماعي.

خطأ المضرور: إذا كانت المسؤولية تقع على الإدارة في حالة وقوع الأضرار على المنتفعين من الأشغال العامة، فإن أساس المسؤولية هو الخطأ، حيث لا بد من إثبات خطأ الإدارة، كعدم وضع علامات في الطريق لتنبيه السائقين أو المارة إلى وجود خطر أمامهم، أو عدم قيام المقاول بأعمال الصيانة أو التشييد على أكمل وجه في مثل هذه الحالات قد ترفع المسؤولية عن الإدارة، إذا أثبتت الإدارة أن المضرور نفسه قد ساهم في تحقيق الضرر أي عندما يسهم المنتفع من الأشغال العامة من خلال سلوكه في حدوث خطر معين مما أدى إلى وقوع الضرر.

خطا الغير: ويقصد به الفعل الضار الذي يحجب الخطأ المباشر فيكون مسؤولا عن الضرر الذي أصاب شخصا آخر هو المضرور، وقد لاحظنا أن بعض النصوص التشريعية قد تعفى الإدارة أو المندوبين عنها من المسؤولية في حالة إذا ثبت أن الخطأ قد وقع نتيجة تدخل طرف أجنبي، ومن ذلك ما نصت عليه المادة (181) من القانون المدني (المسؤولية عن حراسة الأشياء)، حيث نصت على (كل من تولى حراسة الأشياء التي تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة الآلات الميكانيكية يكون مسؤولا عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر ما لم يثبت أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيه)، وأيضا ما ورد في نص المادة (168) إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه، خطأ من الغير كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر، فهذان النصان يحملان استثناء عن وقوع المسؤولية من خلال جملة “ما لم يثبت أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي”، فهذا الاستثناء يؤكد على أن تدخل طرف أجنبي بفعل تسبب بشكل أو بآخر بوقوع ضرر فإن المسؤولية تقع عليه وهو ما يعفي الإدارة من المسؤولية، ولكن هناك أخطاء أكثر تعقيدا حيث ينتج الضرر من كل الإدارة والمضرور والغير، ففي هذه الحالة يتعين على القاضي توزيع التعويض عليهم كل واحد بنسبة مساهمة خطئه في الضرر، فإذا لم يتمكن القاضي من معرفة مدى مساهمة كل سبب في الضرر عند تعدده، عندئذ حكم القاضي بتوزيع التعويض عليهم جميعا بالتساوي.

زر الذهاب إلى الأعلى