مقالات الرأي

في المصالحة

بقلم/ ناصر سعيد

الشعوب والدول المتطلعة لتجاوز الأزمات والآثار السلبية الناتجة عن الصراعات السياسية والأمنية، تعتمد في ذلك على غرس روح العفو والتسامح، من أجل طي صفحة الماضي وبدء صفحة جديدة بعد فترة من العنف والقمع، خاصة عندما يجد المجتمع نفسه في بعض الأحيان أمام تركة صعبة من الانتهاكات والجرائم.

في الحالة الليبية، نجاح المصالحة الوطنية مرتبط بعدة شروط، منها توفر الإرادة الحقيقية للمصالحة وبناء الثقة، وطرح حل سلمي يحقق المصالح العليا للوطن بعيدا عن الارتهان للأجندات الأجنبية. أما وإن الوقت قد مضى دون أن يكون هناك أي تقدم أو نجاح لتجاوز الحالة العبثية مع استمرار مبعوثي الأمم المتحدة في إدارة الأزمة برعاية سفراء الدول الغربية، وجب التوقف عند الآتي:
أولا: إن ما حصل في ليبيا هو عدوان وتدخل خارجي، لا يعالج ويحل بالمصالحة الأهلية، بل بتحرير الإرادة الوطنية، فالذين تدخلوا في الشأن الليبي هم من تسببوا في ذلك وحاولوا جاهدين إشعال الفتن بين الليبيين، بغية تفتيت اللحمة الوطنية وتنفيذ مخططات التقسيم.

ثانيا: المصالحة الوطنية كمشروع وطني لم تهيأ لها البيئة الملائمة، ولا النوايا الصادقة، بل أصبحت المصالحة وسيلة لإشغال الشعب بمظاهر احتفالية خادعة في مؤتمرات ولقاءات مصالحة ولجان صورية.

ثالثا: الانتهاكات والصراعات التي حصلت، يمكن أن تعالج بمشروع وطني للمصالحة يؤسس له سياسيا واجتماعيا، ولكن ليس قبل إعادة هيبة الدولة، فالمصالحة تحتاج إلى دولة قوية قادرة على بسط سيطرتها على كافة ربوع ليبيا وتكون ضامنا وحاميا وحارسا لمصالح المجتمع، وليس قبل خروج الأجنبي من البلاد، فالحديث عن المصالحة تحت مظلة القواعد والقوات الأجنبية والمرتزقة يُعد عبثا ومضيعة للوقت.

رابعا: الاتحاد الإفريقي طرح مبادرة سياسية منذ بداية الأزمة الليبية، لكن القوى الغربية هي من وقفت ضد المصالحة بين الليبيين آنذاك، لأن النية كانت مبيتة لتدمير الدولة وإسقاط النظام، وبعد أن تحقق لها ذلك سمح للاتحاد الإفريقي بتولي إدارة المصالحة بين الليبيين، ومن هنا جاء موظفو مفوضية الاتحاد واستغلوا الملف لأغراضهم الشخصية بغية تحقيق مكاسب خاصة، وأسسوا لجانا وكلفوا أفرادا وجماعات غير معنية بالمصالحة وعقدوا اجتماعات يناقشون فيها ملفات وقضايا أخرى لا علاقة لها بالمصالحة، ومن ثم كلفوا المجلس الرئاسي بإدارة الملف. المشكلة هنا هي أن المجلس الرئاسي هو نفسه طرف في الأزمة، خاصة أنه جاء مع رئيس ما يسمى حكومة الوحدة الوطنية في حزمة واحدة فرضتهم ستيفاني وليامز على الليبيين في عملية وصاية سياسية شابها التزوير ودفع الرشى.

المصالحة تحتاج إلى إجراءات وآلية رصينة وأدوات أكثر عقلانية تستند إلى الإرادة الشعبية للخروج من المأزق السياسي من خلال لقاء وطني موسع للحوار حول المستقبل ووضع منهج واضح لإعادة بناء الدولة.

زر الذهاب إلى الأعلى