في اللجنة الاستشارية
بقلم/ مصطفى الزائدي
اقترحت القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني خوري، تشكيل لجنة استشارية تتولى مناقشة وتقديم اقتراحات لإعادة إطلاق ما يسمى “العملية السياسية”، وتشكيل حكومة واحدة، وإجراء انتخابات، وهو ما تبناه مجلس الأمن. ومع ذلك، لم ير هذا الاقتراح النور رغم إطلاقه في شهر أكتوبر الماضي. وبعد أربعة أشهر، لم تتشكل هذه اللجنة الاستشارية، ولم تحدد بدقة آلية عملها ولا مستهدفاتها.
حسب ما هو ظاهر، فإن اللجنة تتكون من قانونيين غير منخرطين في العمل السياسي، تسميهم البعثة. والحقيقة أن متنفذين ليبيين في البعثة هم من سيعينونهم وفقًا لأجنداتهم وتوجهاتهم. فكيف لبعثة الأمم المتحدة أن تقترح بضعة أشخاص من آلاف القانونيين الليبيين، سواء في الجامعات أو المؤسسات أو غيرها؟
الأمر الثاني: ماذا ستناقش اللجنة؟ هل هي لجنة لوضع قوانين بديلة للجنة القاعدة الدستورية التي شكلتها ستيفاني سابقًا، وصاغت التعديل الدستوري 13 بعد سنة من الاجتماعات العبثية، أم هي لجنة 6+6 التي شكلها باتيلي، وبعد سنة أخرى صاغت قانون الانتخابات الذي وُضع مباشرة في سلة المهملات بالبعثة والمفوضية، أم أنها لجنة لوضع خارطة طريق، أم لجنة للتحضير لحوار جديد يؤمن للمجتمع الدولي مزيدًا من الوقت لإبقاء الوضع على ما هو عليه؟
في تصوري، ستيفاني اقترحت اللجنة ولم تضع لها مضمونًا لغرض في نفسها، وأبسط تفسيراته هو إلهاء الناس ومحاولة لكسر حالة فقدان الأمل في حلول البعثة الآخذة في التنامي. في تصوري، الذي سيحدث أن السيدة خوري ستعتمد على توصيات ومقترحات تقدمها جماعات ليبية صارت محل ثقة البعثة، وبالتالي ستكون هذه اللجنة في واقع الحال معبرة عن أولئك الأشخاص وليس عن تطلعات وأهداف الشعب الليبي، ولا حتى عن آراء المؤسسات التابعة لها.
بعيدًا عن الجدل حول الجوانب الشكلية لأعضاء اللجنة وتسميتهم، فإن المقترح وقرار مجلس الأمن لم يحددا المضمون الذي ستعمل عليه اللجنة، التي ستعمل دون محددات وبدون أهداف معينة، ولن تركز على مضامين الأزمة الليبية، إلا إذا كان لدى السيدة القائمة بأعمال رئيس البعثة في جعبتها برنامج ما تريد له أن يتسرب من خلال اللجنة.
في تصوري، فإن ما سيحدث بعد إعلان اللجنة هو حالة استهجان واسعة بين الأطراف الليبية، لأنهم سيصابون بإحباط كبير لكون اللجنة لا تعكس حجم الآمال والتطلعات التي بناها بعض الليبيين على المقترح. وستنخفض تلك الاحتجاجات تدريجيًا، وتنطلق اللجنة في أعمال شكلية قد تستمر لعدة أشهر دون الوصول إلى نتيجة. وبعدها، ستلجأ المبعوثة الجديدة “حناي تيته” إلى تطويرها أو تقديم مقترح جديد، وهلم جرا.
أعتقد أن كثيرين يدركون اليوم أن هذه المحاولات هي فقط لذر الرماد في العيون. فبعثة الأمم المتحدة لم تبدِ أي محاولات جدية للحل، ولم تشكل خارطة واقعية لمخرج جدي من الأزمة الليبية الآخذة في التعقيد، والتي أنتجت إلى اليوم تقسيمًا واقعيًا للبلاد، ونهبًا منظمًا لمقدراتها، وساعدت على انتشار واسع لفساد لم يسبق له مثيل. فعمليات التقسيم والنهب والفساد تحدث تحت نظر بعثة الأمم المتحدة، دون وجود أسباب ذاتية ليبية لذلك. فالليبيون في واقع الأمر غير منقسمين وغير متصارعين. المتصارعون والمنقسمون هم الأدوات التي فرضتها الدول المتداخلة في ليبيا لإدارة الدولة الليبية لمصلحتها، ولخدمة أهدافها والحفاظ على نفوذها.
السؤال: هل يمكن لهذه الأطراف التي تعمل لخدمة أجندات خارجية أن تساهم في الحل؟ هل يمكن أن يتحول المسبب في المشكلة إلى أداة لحلها؟
الإجابة القطعية هي النفي. فما العمل؟
أتصور أن النخبة الليبية بمختلف توجهاتها الفكرية والسياسية مطالبة اليوم بالنظر في خريطة طريق وطنية يصنعونها بعيدًا عن العبث الأجنبي، تؤدي إلى الخروج من الأزمة. وهذا أمر ممكن بالنظر إلى التطور الكبير في وجهات نظر كثير من الأطراف الأساسية. فالتيار الوطني بمختلف تشعباته، والتيار الديني بمختلف تشعباته أيضًا، يتفقون في العموم على كثير من المبادئ الحاكمة، ويختلفون في بعض التفاصيل. الاختلاف في التفاصيل ليس معضلة جوهرية، حيث يمكن تجاوزه بمرور الزمن.
المطلوب في تقديري هو خطاب موحد من الليبيين مع الأطراف الدولية المتداخلة المتصارعة، التي تتناقض مصالحها في ليبيا، وهو سبب استمرار الأزمة. الخطوة الأولى هي البحث في أفكار لطمأنة تلك الأطراف المتداخلة على مصالحها عندنا. فما نريده لليبيا الجديدة أن تكون بلدًا بسيطًا على علاقة متساوية مع جميع الدول. لا مانع لدينا في المحافظة على مصالح بعض الدول المتداخلة دونما أضرار جسيمة ببلادنا، فيما يتعلق بوحدة البلاد وسيادتها وسلامة أراضيها، وحقها في استغلال ثروتها وإدارة شؤونها بنفسها.