التنظيم القانوني للتظلم من القرار الإداري
بقلم/ غادة الصيد
نظرًا لما تتمتع به جهة الإدارة من سلطات واسعة تجاه المتعاملين معها، أحاط المشرع الموظف العام بضمانات قانونية في مواجهة جهة الإدارة تمكنه من حمايه حقوقه ومصالحه، وذلك عن طريق الرقابة التي تتولاها الإدارة بنفسها لفحص أعمالها وتصرفاتها القانونية، والتحقق من مدى المشروعية الإدارية، ومن بين وسائل تحريك هذه الرقابة (التظلم الإداري) وهو الطلب الذي يتقدم به من أضر به القرار الإداري إلى الجهة الإدارية التي أصدرته (التظلم الولائي) أو إلى الجهة الرئاسية، وهي الجهة الإدارية التي تعلو الجهة مصدرة القرار (التظلم الرئاسي) طالبًا منها تعديل القرار أو إلغاءه فهو سبيل من السبل الإدارية التي يلجأ إليه الموظف المتظلم اختياريا طعنا في القرار المتظلم منه (تظلم اختياري) عوضًا عن التظلم القضائي، لعل الإدارة تعيد النظر في قرارها بما يجنبها الإلغاء القضائي إذا تبين لها ما يعيب القرار.
وعادة التظلم الاختياري يكون فيما يتعلق بمنازعات الموظفين أو الأفراد أو الهيئات، وقد يكون التظلم وجوبيًّا في المنازعات الضريبية والمنازعات الضمانية والمنازعات العقارية، فهو يعتبر شرطا لقبول دعوى الإلغاء.
ولكي يكون التظلم صحيحًا يجب أن تتوافر فيه مجموعة شروط يجب مراعاتها عند تقديم التظلم إلى الجهة الإدارية، وكان الرأي السائد أنه يجب أن يتم تقديمه إلى الجهة الإدارية المختصة فقط، ولكن عدلت المحكمة العليا عن ذلك وأكدت على أنه من الممكن تقديمه إلى جهة إدارية غير مختصة إذا ثبت أن الجهة الإدارية المختصة قد اتصل علمها به، وأن يقدم خلال المدة القانونية المحددة لرفع دعوى الإلغاء، وأن يكون التظلم ضد قرار إداري نهائي، وأن يكون التظلم مجديًا وواضحًا من حيث الصياغة، كما أن التظلم الإداري يلعب دورًا مهمًّا بالنسبة إلى ميعاد دعوى الإلغاء وكيفية حسابه، وذلك لما له من أثر قاطع لهذا الميعاد، حيث يؤدي إلى امتداد الميعاد عن طريق بدء سريان ميعاد جديد من تاريخ تقديم التظلم إلى أن يصل رد الإدارة إلى المتظلم أو بمرور مدة ستين يومًا دون الرد، فيعتبر سكوت الإدارة قرارًا إداريًّا بالرفض.
وعلى الرغم من فاعلية وأهمية التظلم الإداري، سواء على صعيد القضاء الإداري أم على صعيد الأفراد، بالنسبة إلى الطاعن، فالتظلم الإداري قد يحقق نفس النتيجة التي يتوخاها من الطعن القضائي وفي وقت قصير وبأقل التكاليف، وبالنسبة إلى الإدارة يسمح لها بتصحيح سريع لأخطائها، وذلك بالرقابة الذاتية على مشروعية أعمالها، كما أنه يسهل للقضاء عملية الرقابة القضائية، لأنه غالبًا ما يحدد عناصر النزاع بين الإدارة والمتقاضي، وكذلك يخفف العبء عن جهات القضاء الإداري، حيث تحل بعض المنازعات الإدارية في مراحلها الأولى، ولكن هناك عدة عوامل تقلل من فاعلية وأهمية التظلم الإداري أهمها: عدم إبلاغ الموظف بحقه في التظلم الإداري، حيث لا تقوم الإدارة بإخطار الموظف بهذا الحق، بالإضافة إلى عدم معرفة الموظف بحقه في التظلم الإداري وبميعاد التظلم الإداري، مما يؤدي إلى فوات هذه الضمانة القانونية، كما أن اجتماع صفة الخصم والحكم في يد سلطة الإدارة تؤثر على حيادية الإدارة عند النظر في التظلم، لأن مقتضيات العدالة توجب الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة العقاب، كما أن الإدارة غالبًا ما تقابل التظلم الإداري بنوع من المكابرة والإصرار على صحة قرارها الإداري، فالرئيس الإداري لا يستسيغ تقديم المرؤوسين للتظلمات، كما أن سكوت الإدارة وعدم ردها على التظلمات المقدمة إليها يعني ارتكابها لتقصير ما، لأن الموظف من حقه الحصول على الإجابة المناسبة الواضحة والصريحة على تظلمه، حتى يتمكن بالتالي من اتخاذ الإجراءات المناسبة دون تفويت الوقت.