مقالات الرأي

ماذا بعد وقف إطلاق النار في غزة؟

بقلم/ محمد بوخروبة

أطلَّ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، باكرًا على المسألة الفلسطينية ببعدها المصيري العام، ضخَّم جميل إدارته، وحدها، في إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزَّة. أراد أن يوحي إلى أهل القطاع أنه فعل لهم ما لم تستطعه إدارة سلفه، جو بايدن، فأوقف المقتلة وأتاح تحرير الأسرى. وأراد أن يقدم للإسرائيليين نهاية لحرب نتنياهو وتحريرًا لمحتجزي “طوفان الأقصى”، وعلى أساس “إنجازٍ”، ما كان ليتمّ لولا انتخابه، على حدِّ زعمه، فإنه يتحرى “إنجازًا” دغدغ دائمًا طموحات أي رئيس للولايات المتحدة، في الاهتداء إلى التسوية الكبرى.

بعد حرب شنتها إسرائيل بحق قطاع غزة، وصفت من قبل الكثيرين من المحللين السياسيين، بحرب إبادة، وافقت حكومة بنيامين نتنياهو على وقف إطلاق النار بالقطاع، وقد تضمن الاتفاق المعلن، إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين من الجانبين، مع تحفظات إسرائيلية على إطلاق سراح البعض من المعتقلين الفلسطينيين. وبهذا الاتفاق تبدأ مرحلة جديدة، في صيرورة الكفاح الفلسطيني، من أجل الحرية والاستقلال وتقرير المصير.

ولا جدال في أن صمود الفلسطينيين كان العامل الحاسم، في وقف إطلاق النار، لكن توقيته يحسب للضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة دونالد ترامب، التي رأت في ذلك وسيلة لإنقاذ المحتجزين الإسرائيليين، وليس الفلسطينيين، بتعبير فاقع في عنصريته، وليس من شك، في أن هذه الحرب هي الأطول والأكثر عنفًا، في تاريخ الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، منذ نكبة فلسطين عام 1948، حتى يومنا هذا. فقد استغرقت أكثر من ستة عشر شهرًا، منذ أطلقت حركة حماس، في السابع من أكتوبر 2023، ما بات يعرف بطوفان الأقصى، بعد انسداد طويل لتسوية القضية الفلسطينية.

كلف الحرب على غزة، دمارًا وخرابًا، وقتلًا، هي الأعلى منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي. فقد تجاوز عدد الشهداء أكثر من خمسة وأربعين ألفًا، جلهم من المدنيين، من النساء والأطفال والشيوخ، يضاف لهم أكثر من مائة ألف جريح، هذا عدا المفقودين. أما الخراب الذي ألحقته آلة التدمير الإسرائيلية، فحدث ولا حرج. فأكثر من نصف قطاع غزة، بات مدمرًا، وغير صالح للسكن. وذلك لا يشمل مساكن الفلسطينيين فحسب، بل البنية التحتية للقطاع، بما فيها من ماء وكهرباء وصرف صحي، وشوارع، باتت جميعها بحاجة إلى إعادة تأسيس جديد، وقد باتت قضية غزة، لفرط ما عانته من دمار وقتل وتخريب، قضية عالمية، طرحت بقوة في قلب أمريكا والقارة الأوروبية، وتبنتها مؤسسات إنسانية وقانونية، لعل الأبرز بينها محكمة العدل الدولية، التي صنفت رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو ووزير دفاعه، وبعضًا من أقطاب حكومته بمجرمي حرب، وطالبت باعتقالهم.

صحيح أن التضحيات التي قدمها الفلسطينيون، كانت فادحة، لكن القضية الفلسطينية، قد حظيت باهتمام واسع من قبل الرأي العالمي، وإسرائيل التي صنفها الغرب باعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة فيما يعرف بالشرق الأوسط، قد فقدت سمعتها، وباتت توصف باعتبارها نظام فصل عنصري، شبيهًا بما ساد في نظام الفصل العنصري، بجنوب أفريقيا.

نقطة الضعف، في طوفان الأقصى، أنه أخذ مكانه في بقعة صغيرة جغرافيا، تعتبر الأكثر اكتظاظا بالسكان، في الكرة الأرضية، وأنه لم يشمل بشكل شامل الضفة الغربية ومدينة القدس، رغم تعاطف الفلسطينيين جميعًا مع سكان القطاع. ونقطة الضعف الأخرى، أن أحداث غزة، أخذت مكانها في ظل غياب الوحدة الفلسطينية، التي هي الشرط اللازم، لتحقيق تطلعات الفلسطينيين في الحرية، وإقامة دولتهم المستقلة فوق التراب الفلسطيني، تردّ المنطقة ببأس وعزيمة وغضب على مشروع آخر من مشاريع سابقة تمّ تمريرها إلى أن باتت فلسطين تحتل بالكاد نسبة 22 بالمئة من مساحتها التاريخية. غير أن الردّ سيبقى وهنًا أجوف، لأهل غزّة خصوصًا، إذا لم تُقابل المنطقة، كل المنطقة، خطاب البديل عن الفراغ القادم من واشنطن، بخطّة سياسية إعمارية تلقى احتضانًا دوليًّا، حتى من إدارة ترامب نفسها ربما، تكون مدخلًا محتملًا لهندسة حلِّ تنفيذي مباشر، يخلِّص غزَّة ومصر والأردن من شرور قد لا تقوى على ردِّها.

زر الذهاب إلى الأعلى