الجولاني بعد (الرسكلة)
بقلم/ ناجي إبراهيم
الصفعات والتوافقات والإملاءات وخدمة المشاريع الغربية الصهيونية في المنطقة العصا والجزرة والعين الحمراء وحتى الحفاظ على وحدة الدول والسلام والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وحماية السيادة.
كل تلك المفردات السياسية التي تستخدم في الحوارات واللقاءات العامة والخاصة والثنائية والجماعية وتحت عناوين وشعارات تخفي النوايا الحقيقية والأهداف الحقيقية لمراعاة مشاعر الرأي العام المحلي والدوليتظهر اليوم سافرة وبشكل علني في مقابل رأي عام يتم تشكيله ليتوافق مع عودة جديدة للمشاريع الاستعمارية الجديدة وبخرائط جديدة تخدمها نخب تكونت وتشكلت عقب سايكس بيكو ونخب عديدة أنتجتها حقبة ما يسمى (الربيع العربي).
انفتاح خليجي على لبنان وسوريا، لماذا الآن ما هي المتغيرات؟
لايمكن فهم هذا التحول في السياسات العربية تجاه سوريا ولبنان بمعزل عن التحولات في المشهد السياسي الجديد الذي حدث بعد الثامن من ديسمبر الماضي وسقوط نظام الأسد وتدمير الجيش السوري واحتلال القوات الصهيونية لجنوب سوريا وضم الجولان والسيطرة على مدن الجنوب اللبناني عقب انسحاب المقاومة اللبنانية إلى جنوب الليطاني وانتخاب رئيس بمباركة أمريكية وغربية، ووصول ترامب للبيت الأبيض، ولايمكن أن يكون هذا التدافع العربي بمحض الصدفة أو صحوة ضمير مفاجئة، بل في سياق دعم المشروع الغربي في المنطقة لإعادة رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط وتوفير المناخات التي تسمح للكيان الصهيوني بالزحف نحو الفرات لتحقيق حلمهم التوراتي في بناء دولة بني إسرائيل من النيل إلى الفرات، والذي ما كان ليتحقق وفق المعطيات والظروف التي سبقت التحولات التي عرفتها المنطقة عقب (الربيع العربي) وسيطرة المنظمات الدينية على الحكم في بعض البلدان العربية بدعم المخابرات الأمريكية والبريطانية وتمويل من حكام الخليج.
ولن نفهم هذا السخاء في العطايا والدعم الذي تعلن عنه حكومات المنطقة وبخاصة إمارات البترول إلا في إطار مكافأة للمليشيات التي حكمت سوريا عقب تدمير الجيش السوري والإطاحة بنظام الأسدوغضها الطرف عن ضم (الجيش الإسرائيلي) الجزء المتبقي من الجولان ومناطق ومدن الجنوب السوري لتوفير الحماية للكيان في مواجهة أي مشروع مقاوم للاحتلال.
لا أعتقد أن ضميرهم الذي وضع في الثلاجة ثلاثة عشرة عاما وأطفال سوريا يموتون لنقص الدواء وجوعا بفعل قانون(قيصر) ارتفعت حرارته بفعل الغيرة على الشعب السوري الذي لم يحصل على دعمهم وهو يتعرض للزلزال ويدفنون تحت الركام لمنع(قيصر) إدخال معدات الإنقاذ ورفع الركام عن الأموات الذين دفنوا أحياء.
لا أحد سيصدق أن هذه التحولات السياسية تجاه سوريا ولبنان هي ذاتية وتلبي مصلحة ثنائية عربية/ عربية، وتحركها مشاعر الروابط الثقافية والتاريخية التي عجزت هذه الروابط عن الإبقاء عليها عندما كانت المصلحة الأمريكية تتطلب مقاطعة سوريا وحصار لبنان، واليوم عندما تقاطعت المصالح الأمريكية مع مصلحة الجماعات (المصنف إرهابيا) وفق القانون الأمريكي رأينا هذه الرغبة من بعض الدول العربية على دعم سوريا والتواصل معها وقبول الإرهابي الجولاني الذي يتزعم فصيلاإرهابيا وفق التصنيف الأمريكي بعد(الرسكلة) وإطلالته عبر ال (CNN) وفروعها في الجزيرة والعربية وهو يرتدي ربطة العنق التي تأتي في إطار تسويقه للرأي العام وبعث رسائل للأدوات الأمريكية في المنطقة من حكام ونخب سياسية وثقافية لمد اليد له والتعامل معه، وأعلنت أمريكا إسقاطها للمكافأة التي ستمنحها لمن يقدم لها معلومات عنه، حيث صار بين يديها وطوع بنانها وحتى لايثير قلقهم أو يثير شكوكا حول نواياه أعطى ظهره للعدوان الصهيوني الذي استهدف السيادة السورية واحتل أجزاء واسعة من الجنوب السوري، ونجح في أول اختبار(للرسكلة) وسيمر بمجموعة من الاختبارات الأخرى ومنها الدخول إلى زريبة التطبيع التي أكد عليها بعض قياداته وأعلنوا عن سقوط حالة العداء مع الكيان (والتطبيع في السكة) ما فتح أبواب دافوس أمام الجولاني، وفتح أيضًا خزائن الخليج وقبل ذلك قلوبهم التي باتت معلقة بدمشق بعد أن كانت أبواب مكة موصدة في وجه السوريين.
لو أن أمريكا دفعت تكاليف حروبها وسياساتها العدوانية والتوسعية في العالم كانت سقطت وانهارت منذ زمن، ولو أن حكومات الخليج وضعت مصلحة شعوبها أولوية على المصلحة الأمريكية وكفت يدها عن الدفع بسخاء للإدارات الأمريكية لكانت الأخيرة كفت يدها عن العبث بمصيرنا ومستقبل شعوبنا.
من سيدفع تكاليف الحروب الإسرائيلية المدعومة أمريكيا على شعوبنا؟ ومن سيتكفل بتعويض الخسائر وإعادة إعمار ما دمرته الآلة الصهيونية في غزة ولبنان وسوريا؟
بالتأكيد وذلك ما طلبه ترامب صراحة وما كان يطلبه سلفه بشكل مبطن من دول البترول بضرورة دعم لبنان وسوريا وإعادة إعمار غزة،ونشهد دبلوماسية نشطة في اتجاه سوريا ولبنان تقوم بها حكومات الخليج يعلنون دعمهم ومساندتهم وكأنهم يعيدون ما تمليه عليهم الحكومة الأمريكية فقط بلسانهم.
ترامب الذي يشهر سيفه في وجه العدالة الدولية، ويتخلى عن تعهدات قطعها من سبقوه لحماية وإصلاح البيئة والمناخ، ويتوعد كندا وجرينلاند وبنما بالاحتلال لا يحمل جزرة في مخلاته وكان واضحًا وشفافا معريا النوايا الأمريكية التي كانت تختفي خلف شعارات وغوايات وجزرات حتى عند استخدامها للقوى الخشنة لتحسن ذبحنا، وكانت رسالته لحكام الخليج لا خيارات فيها،البقاء في السلطة وجب أن يكون مسبوق الدفع وإن كان لم يحدد سقفا للثمن، ولا خيارات كثيرة أمام شعوب العالم، التي اعتقدت أن نظرية القوة قد طويت بظهور نظرية التنظيم الدولي الذي بات تطويرا لنظرية القوة وركنا من أركانها وبابا من أبوابها في ظل هيمنة الدول الكبرى على القرار في مجلس الأمن، فليس أمامنا إلا خيار واحد هو إعداد القوة ورباط الخيل حتى إذا لم نهزمهم نرفع تكلفة موتنا.