للمقاومة ثمن كبير!
بقلم/ عبدالله الربيعي
المقاومة حق مشروع كفلته كل الشرائع والقيم الإنسانية، وتبدأ المقاومة من الدفاع عن النفس إلى المقاومة التي تفضي إلى تقرير المصير والكفاح من أجل الاستقلال والحرية. وفي سبيل الحرية وطرد المستعمر الغاصب لا تحصي الشعوب خسائرها البشرية والمادية ولا ويلات العذاب والحرمان وظلام السجون ولا آلام التعذيب ووسائل القمع التي ابتكرتها الالة الجهنمية للمستعمرين، فهذا الشعب الليبي الأبي واجه الظلم والحكم الاستبدادي العثماني لعدة قرون رافضا سياسات التتريك ومص دماء السكان من خلال فرض الإتاوات والضرائب المضنية والملاحقات التي أفضت إلى التهجير خارج حدود الوطن بحدوده المعروفة اليوم.
الليبيون وهم في هذه الحالة المأسوية والفقر المدقع والظروف الحياتية البائسة كانوا ضحية للاستعمار والغزو الإيطالي عام 1911، حالتهم البائسة وظروفهم الصعبة لم تقف عائقًا أمام مقاومة المحتل، وقدموا من أجل وطنهم الغالي والثمين، إذ يقول المؤرخون والمراقبون إن نصف تعداد الشعب الليبي استشهدوا وماتوا مرضًا وعوزًا وتهجيرًا خلال ربع قرن من المقاومة الباسلة، يومها ليبيا لم تكن دولة نفطية أو تنتج الغاز أو لها مصرف مركزي وخزانة عامة تصرف في المزايا والمهايا.
وتعرف ليبيا أيضا أنها بلد نادرة سقوط المطر، أي بلد فقيرة بكل المقاييس، لكن ذلك لم يجعل الآباء والأجداد يقفون متفرجين وهم يتعرضون للغزو والعدوان، وقدموا أرواحهم ودماءهم رخيصة من أجل وطنهم، أوديتهم وسهولهم وجبالهم وواحاتهم البسيطة.
ومن ليبيا أمامنا تجربة الشعب الجزائري في شهر مايو عام 1945 في مدينة سطيف وفي مواجهة سلمية ضد الاحتلال الفرنسي استشهد عشرات الآلاف، بعض المؤرخين يقول 50 ألف شهيد قصفوا بالطائرات والمدافع، وهذه الأحداث كانت المقدمة للثورة الجزائرية التي قادتها جبهة التحرير من 1954 إلى 1962، قدم فيها الجزائريون الأبطال مليون شهيد من أجل تحرير الجزائر وأنهوا بذلك استعمارا استيطانيا دام لـ 132 سنة، ولم يقل الشعب الجزائري ولا شعوب العالم إن جبهة التحرير هي التي قتلت الآلاف من الجزائريين، بل حمل ذلك لدولة الاحتلال.
وهذه تجربة كفاح شعب جنوب أفريقيا ضد الميز العنصري الغاشم (الأبرتايد) ففي 16 يونيو عام 1976 انتفض الطلاب في ضاحية سويتو وخلال ستة أشهر استشهد من بينهم 600 إلى 500 طالب، أسس هذا الكفاح مقاومة باسلة تكللت بهزيمة العنصرية وانتصر السود من خلال المقاومة بكل أشكالها المسلحة والسياسية والقانونية.
وبمساندة الشعوب المحبة للسلام والحرية أصبحت جنوب أفريقيا لأهلها السود الغالبية العظمى من السكان، الحرية والاستقلال والسيادة لم تعطَ هكذا سبهللة أو مجانا، بل دفع ثمنها أرواحًا وأموالا طائلة، وما نشاهده اليوم من كفاح الشعب الفلسطيني ضد الصهيونية وضد الاحتلال المدعوم من أمريكا والدول الغربية والأثمان الكبيرة في عدد الشهداء والجرحى وتدمير المدن والشوارع والبنية التحتية تكاليف للمقاومة من أجل الحرية والكرامة.
وهذه الأثمان يجب تحميلها للمحتل وليس للضحية المقاومة التي ليس أمامها إلا الكفاح المسلح، فإعلام المنبطحين المتعاونين مع الاحتلال والمطبعين يحاولون أن يحملوا هؤلاء الأبطال الذين قدموا أرواحهم ودماءهم رخيصة واستشهدوا في مقدمة شعبهم أوزار وتكاليف المقاومة، ويقولون في خطاب رخيص إن سبب دمار غزة والخسائر الكبيرة في أعداد الشهداء والجرحى الذين يعدون بعشرات الآلاف وراء ذلك كتائب القسام وسرايا القدس وبقية فصائل المقاومة وإن المقاومة الإسلامية في لبنان التي قادها حزب الله لمساندة طوفان الأقصى وراء عدم الاستقرار في لبنان المنقسمة طائفيا ودينيا قبل أن يولد حزب الله أصلا، ولأنهم عملاء ومصالحهم تتقاطع مع العدو المحتل ومع الغرب المهيمن لم يقولوا إن العدوانية الصهيونية ومن ورائها الغرب المتصهين هم سبب كل تلك الجرائم، فالمقاومة سوف تستمر ما دام هناك احتلال، وهناك عرق ينبض وشعب صاحب الأرض يتنفس صاحب الحق المبين وسيقدم القوافل من الشهداء والضحايا، وعلينا دائما الاستعداد للمقاومة وإعداد العدة وبناء القوة وعدم التهاون لأن العدو يبحث عن مناطق الفراغ والخلخلة ليملأ ذلك الفراغ بقوته ومصالحه ونفوذه.