فيديو

سوء استغلال الثروة المعدنية في ظل الفوضى السياسية

بقلم/ عثمان الدعيكي

تُعتبر ليبيا من بين الدول الغنية بالموارد الطبيعية، حيث تضم ثروات معدنية ضخمة يمكن أن تسهم في تنمية اقتصادها إذا تم استغلالها بالشكل الصحيح. إلا أن ” قطاع التعدين” في ليبيا يعاني من سوء استغلال مستمر يعود في جزء كبير منه إلى الفوضى السياسية التي تعيشها البلاد منذ سنوات. ورغم أن الثروات المعدنية تمثل فرصة هائلة لتطوير اقتصاد غير نفطي، إلا أن الوضع الأمني والسياسي الراهن يعرقل هذا الاستغلال ويحول دون الاستفادة الفعلية من الثروات الطبيعية.

تحتل ليبيا موقعًا جغرافيًا متميزًا، ذات تنوع وجيولوجي ومختلف التضاريس يضم كميات كبيرة ومتنوعة من المعادن مثل الذهب والحديد والفوسفات و النحاس وغيرها من المعادن الأخرى التي يمكن أن تشكل مصادر رئيسية للثروة، ويؤكد العديد من الخبراء أن ليبيا تمتلك احتياطيات ضخمة من هذه المعادن، التي يمكن أن تساهم بشكل كبير في تقوية الاقتصاد الوطني إذا تم استثمارها بشكل صحيح. ومع ذلك، فإن الاستفادة من هذه الثروات لا تذكر مقارنة بالفوائد الجمة التي توفرها.

قبل أحداث الفوضى التي عمت البلاد في 2011، كانت ليبيا تخطط لاستثمارات كبيرة في قطاع التعدين، بما في ذلك التعاون مع شركات عالمية لاستكشاف وتطوير هذه الثروات، لكن منذ اندلاع الحرب الأهلية، تم تعطيل هذه المشاريع وأصبح القطاع معدوم الفعالية بسبب النزاعات السياسية والصراعات المسلحة. في ظل هذا الوضع، لم يتمكن القطاع من التقدم أو جذب الاستثمارات الأجنبية، مما أدى إلى تفويت فرص كبيرة لتحويل هذه الثروات إلى قوة اقتصادية.

والسبب الرئيسي وراء سوء استغلال الثروة المعدنية هو الفوضى السياسية وآثارها المستمرة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عقد من الزمان. إذ بعد إسقاط النظام الوطني في 2011، لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إرساء الأمن والاستقرار، كما أن ظهور انقسام سياسي حاد أدى إلى غياب سياسات موحدة وتنظيم فعال للقطاع، مما جعل إدارة الموارد المعدنية في ليبيا صعبة للغاية. كما أن غياب الاستقرار الأمني في العديد من المناطق الغنية بالمعادن جعلها عرضة للعديد من الأنشطة غير القانونية مثل التعدين العشوائي، استغلت فيها الجماعات المسلحة والفئات غير المنظمة غياب الرقابة الحكومية، للقيام باستخراج المعادن وتهريبها بشكل غير قانوني، وفي المقابل تتجاهل هذه الأنشطة المعايير البيئية والأمنية، مما يؤدي إلى استنزاف الثروات الطبيعية وتدهور البيئة في هذه المناطق، حيث يتم استخراج المعادن بطرق غير آمنة ودون مراعاة لأبسط معايير الأمان. هذا التعدين العشوائي لا يحقق أي قيمة مضافة للاقتصاد الليبي ويؤدي إلى الاستنزاف المفرط للموارد.

ان الصراعات المسلحة وانعدام الأمن يعد من أبرز العوامل التي تعرقل استثمار ثروات ليبيا المعدنية. فالكثير من مناطق التعدين، تشهد نزاعات مسلحة بين المجموعات المسلحة المتنافسة، مما يجعل من المستحيل تشغيل المناجم فيها بأمان، رغم المحاولات التي تقوم بها القيادة العامة للقوات المسلحة لفرض سيطرتها على هذه المناطق.

كما أن الفساد الإداري وتفشيه في المؤسسات الحكومية وعدم وجود رقابة فعالة، أدى إلى إهدار موارد البلاد، بما في ذلك الثروات المعدنية. وكذلك غياب الشفافية في تخصيص الأراضي والتراخيص يسهم في سوء استخدام الموارد، فضلاً عن افتقار المناطق الغنية بالمعادن في ليبيا إلى البنية التحتية المتطورة التي يحتاجها القطاع بما في ذلك شبكات النقل والطاقة والموانئ، لدعم عمليات استخراج المعادن وتصديرها، والتي دمرت الحروب المتواصلة العديد من هذه المنشآت، مما يجعل من الصعب استغلال هذه الثروات.

على الرغم من التحديات التي يواجهها قطاع التعدين في ليبيا، إلا ان هناك فرصًا كبيرة لإعادة هيكلته وتحقيق الاستفادة القصوى من الثروات المعدنية، شريطة توافر الإرادة السياسية والظروف المناسبة، وفي هذا الإطار هناك عدة خطوات يجب اتخاذها لتعزيز آفاق القطاع تبدأ بمحاولة تحقيق الاستقرار السياسي فمن دون اتفاق سياسي شامل يضمن السلام والأمن، لا يمكن لأي حكومة أن تطور قطاع التعدين بشكل فعال، كما يتطلب الاأمر العمل على تطوير التشريعات وتنظيم القطاع بإصلاح قوانين التعدين وتطوير أنظمة رقابة صارمة لضمان شفافية استغلال الموارد الطبيعية، بالإضافة الى حاجة القطاع إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية مثل الطرق والموانئ وشبكات الكهرباء، كما أن نجاح القطاع يتطلب العمل على جذب الشركات الأجنبية المتخصصة في التعدين والتعاون معها، إذ يمكن لهذه الشركات أن تقدم الخبرة والتكنولوجيا اللازمة لتحسين طرق الاستكشاف والاستخراج. وفي هذا الجانب أيضا فإن متطلبات المنطقة والتركيبة الاجتماعية لمناطق التعدين تتطلب أن يتم استغلال الثروات المعدنية في إطار مستدام يحافظ على البيئة ويعزز من رفاهية السكان في مناطق التعدين بتنفيذ مشروعات التعدين المستدامة التي تحافظ على الموارد الطبيعية وتضمن استفادة المجتمع المحلي من العوائد الاقتصادية.

خلاصة القول، إن قطاع التعدين في ليبيا يملك إمكانيات كبيرة ليكون من الأعمدة الأساسية للاقتصاد الوطني، ولكن الفوضى السياسية والانقسامات الداخلية قد منعت استغلال هذه الثروات بشكل صحيح. ومع تحقيق الاستقرار السياسي، وتطوير التشريعات، وتعزيز التعاون الدولي، يمكن لليبيا أن تستفيد من ثرواتها المعدنية وتحقق التنمية المستدامة في هذا القطاع فالتحديات كبيرة، ولكن الفرص لا تزال قائمة لتحقيق أقصى استفادة من هذه الثروات الهائلة إذا ما أدرك الليبيون أن الموارد لا تأتي إلا بتحقيق الاستقرار الذي لا يتأتى إلا من خلال تغيير الواقع الحالي وفرض حكومة وطنية بإملاءات الشعب لا إملاءات سفراء الدول الغربية ووفق مصالح وطنية محضة.

زر الذهاب إلى الأعلى