ترامب الثاني بين انتصارات مقاومتنا وأبواق أنظمتنا
بقلم/ محمد جبريل العرفي
الظاهرة الترامبية كالظاهرة المكاراثية العنصرية، التي انتهت وتوصف اليوم بالاضطهاد السياسي باسم الأمن القومي.
ترامب يعبر عن العنجهية الألمانية، فجده حلاق ألماني هارب من الخدمة العسكرية، كان يقدم المأوى والغذاء والخدمات المشبوهة للمنقبين عن الذهب، الجمهوريون يمثلون الأمريكي الأبيض الإنجيلي المؤمن بهرمدجون، بعكس الديموقراطيين العلمانيين التعددين، ترامب مع الأمركة ضد العولمة، هدد منتدى دافوس “اصنعوا في أمريكا أو ستواجهون جماركنا” وأنشأ إدارة لجباية الضرائب من الدول، عنده تضخم الأنا، كقوله: “لو كنت رئيسًا ما حدثت حرب أوكرانيا ولا طوفان الأقصى، وانتظروا الجحيم”، عقلية إمبريالية توسعية. صفيق لا يجامل كدعوته إلى ضم كندا وجرينلاند وبنما وبريطانيا، يسعى إلى انقلاب بالسياسة الأمريكية الخارجية والداخلية، ولكن تحكمه توازنات الإدارة الأمريكية، والدولة العميقة؛ وهي البنتاجون، والمخابرات، ومؤسسة الخارجية، ومراكز التفكير، والمجمع الصناعي الدفاعي العسكري صاحب المصلحة في إشعال الحروب، الدولة العميقة هزمته بالدورة الأولى، يتعامل بالصفقات كسمسار للعقارات، بعيدا عن الصداقات والعداوات، يريد إجبار أوروبا على استيراد الغاز الأمريكي بأربعة أضعاف السعر العالمي، لكونه (صخريًّا) وليس (طبيعيًّا) عالي تكلفة الإنتاج بالإضافة إلى تكلفة النقل.
أوعز (لصبيه) الأوكراني بقفل أنبوب الغاز الروسي، واشترط لحماية أوروبا بالناتو أن تمتنع عن شراء الغاز والنفط من غيره، وتشتريه منه كما يسعره، كما يسعى إلى رفع القيود عن زيادة إنتاج النفط لينافس الخليج بإنتاج 10 ملايين برميل. باختصار هو يريد احتلال أوروبا الغربية الصناعية، ويترك روسيا تسترجع أوروبا الشرقية.
انتهى مشروع خط الغاز القطري والنفط السعودي إلى البحر المتوسط عبر الكيان، لسببين أولهما هزيمة الكيان في غزة ولبنان، وثانيهما رغبة ترامب في منع أي منافس في أوروبا، ولهذا لم يعد أمام السعودية وقطر إلا التصدير إلى الصين، وهذا استفزاز لأمريكا عدوها التجاري.
أبواق الأنظمة الخانعة تنسب اتفاق غزة إلى تهديدات ترامب، بينما الحقيقة هزيمة الكيان أمام المقاومة في غزة، وإسنادها من اليمن ولبنان والعراق، وعدم قدرته على الاستمرار في تحمل تكلفة الحرب، فقبل بشروط المقاومة التي وضعتها منذ البداية، وهي (إطلاق سراح الأسرى، والانسحاب من غزة، وفك الحصار)، النتن استخدم تهديد ترامب لصون ماء وجهه. أمريكا أيضًا مضطرة إلى الاتفاق، لأن اليمنيين هزموا الغرب، وحطموا هيبة الأساطيل الأمريكية، فلأول مرة في (التاريخ) تتحول حاملات الطائرات العملاقة والفرقاطات الضخمة إلى خردة أو تُجبر على الهروب.
لا يوجد سبيل لصون الكرامة وتحرير الأرض إلا المقاومة؛ فقد جربنا الجيوش العربية 48 وتمت هزيمتها، والمقاومة بمنظمة التحرير الفلسطينية 1964 تحت عباءة الجامعة العربية أيام الشقيري وفشلت، والتطبيع بإسطبل داوود 79 وفشل، والتفاوض العلني بمدريد 91 وفشل، والتفاوض السري بأوسلو 93 وفشل، بل سبب كارثة بالتخلي عن السلاح والاعتراف بالكيان، وأنتج سلطة تقتل وتعتقل المقاومين الفلسطينيين، وتعلن بصفاقة التنسيق الأمني (مقدس) سلطة همها نهب المال وحياة الرغد، نقيض ممارسة الثورة المتجردة من الشهوات.
منذ 48 وحتى 2006 لم تهزم العدو وتحرر جزءا من أراضينا إلا المقاومة، حتى نصر العبور 73 أجهضته السياسة. الخانعون يروجون أوقفوا المقاومة، ولنعتمد على ترامب، وتناسوا أنه إنجيلي وقال: “إسرائيل صغيرة لازم تتوسع”، وقراره يوم تنصيبه رفع الحظر عن قنابل 2000 كيلوجرام لإبادتنا، ومعاقبة محكمة الجنايات الدولية.
بعيدًا عن أبواق الهزيمة – لسان حال الأنظمة الخانعة – التي تروج لصورة كاذبة لتحرمنا حقنا بفرحة النصر، فاستعراض المقاومة أثناء تسليم الأسيرات صحح خداعها البصري.
ولنقرأ للمحلل السياسي الصyhيوني (الون مزراحي): “حماس لم تهزم إسرائيل فحسب، بل هزمت الغرب برمته، انتصرت في ساحة المعركة، وانتصرت في ساحة الرأي العام، وانتصرت في المفاوضات، لقد تمكنت من الاستفادة بشكل مذهل وعبقري من قراءة وفهم العقلية (الإسرائيلية)، واستخدمت كل ما لديها بكفاءة عالية، لقد كسبت القلوب نحو القضية الفلسطينية في جميع أنحاء العالم، وليس صحيحا أنه تم تفكيكها وتدميرها، لقد احتفظت تقريبا بكل أسير أسرته، ولم تستسلم لكل الضغوط، وسيعترف التاريخ بأنها واحدة من أكثر الإنجازات عبقرية، لقد أصبحت حماس أسطورة المقاومة التي ستعيش في الذاكرة الثقافية على مر العصور”.
(بلينكن) المفتخر بصهيونيته قال: “الحرب ميؤوس منها، تقتل منهم يرجعوا يجندوا، حماس أقوى من يوم الطوفان، غزة مثال الحروب الحديثة”.
ترامب يدمر كوكبنا متجاهلا أن التغيير المناخي سبب حرائق كاليفورنيا، فأول قراراته الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وألغى جعل نصف المركبات عام 2030 كهربائية، وألغى القيود على الحفر في ألاسكا، وأعلن الطوارئ على الحدود الجنوبية لترحيل ملايين المكسيكيين، وأوقف المساعدات الخارجية الإنمائية، يتحالف مع الأثرياء حيث حضر تنصيبه سبعة من أغنى مليارديرات العالم، وقرر تسمية خليج المكسيك خليج أمريكا، وبدافع عقلية الإبادة للسكان الأصليين، أعاد تسمية جبل ماكينلي، وهو أعلى قمة في أمريكا الشمالية كان يسميه السكان الأصليون دينالي أي العظيم بلغتهم، وهو مقدس عندهم، أطلق عليه الأمريكيون 1895 ماكينلي تكريما للرئيس الأمريكي ماكينلي، 2015 استعادت الحكومة الأمريكية الاسم الأصلي دينالي احتراما للتراث الثقافي للسكان الأصليين ولإبراز الهوية التاريخية للجبل.
مع هذا كله فهو يلعب بالوقت الضائع، فلو جاء أيام التفرد بالعالم لتمكن من تحقيق مشروعه، فالآن أمريكا تنكمش. صمود غزة (ستاليننجراد فلسطين) شكل انتقالا نوعيا تاريخيا سيغير المنطقة، فالكيان للزوال، والعالم تعددت أقطابه فهل ستعتبر أنظمتنا وتنحاز لشعوبها؟!!