مقالات الرأي

وتكبر التحديات في مواجهة الإدارة الأمريكية 

بقلم/ محمد علوش 

إن عودة ترامب وتنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية تضع المنطقة أمام تحديات سياسية كبيرة، والقضية الفلسطينية، بشكل خاص، قد تشهد المزيد من التعقيد في ظل السياسات المتوقعة من إدارة ترامب، التي قد تسعى إلى ترسيخ نهجها السابق في التعامل مع الملف الفلسطيني دون أي تغيير جذري.

وفي ظل هذا المشهد السياسي، يبقى الفلسطينيون والأطراف الدولية المعنية في حالة ترقب لما ستأتي به الأيام المقبلة، وسط احتمالات مفتوحة ومخاوف من مزيد من التصعيد أو الجمود السياسي.

ومن الواضح تمامًا أن الفريق وطاقم العمل المعاون للرئيس ترامب لشؤون الشرق الأوسط قد عمل على تهيئة الأجواء لحكمه من دون ضجيج أو جحيم قطاع غزة، وقد نجح في هذه المسألة بدرجة كبيرة، لأن صفقة “التهدئة ووقف إطلاق النار” دخلت حيز التنفيذ في يوم موعدها، لكن سوف تظل لعنة هذه المنطقة تطارد ترامب، فالملفات المنتظر التباحث عنها ممتدة، وفيها قضايا حساسة وعلى رأسها القضية الفلسطينية بشكل عام وما يتعلق بمستقبل قطاع غزة وما يسمى باليوم التالي بشكل خاص، وما لم تكن إرادة الرئيس الأمريكي قوية وتحمل وصفة سحرية للتهدئة الدائمة، فلن يكون لاتفاق وقف إطلاق النار حظ كبير من الصمود والاستمرارية، فالتصورات المتشددة التي يحملها نتنياهو يمكن أن تعرقله، وهذا يعني أن التوقيع على الصفقة كان هدفًا مرحليًا، وليس نهائيًا ربما، وأن المسألة تحتاج إلى جهود واسعة من فريق الرئيس ترامب، فالحرب التي اندلعت وتركت آثارًا مدمرة في المنطقة لا بد أن تعقبها خطة لعلاج أسبابها وتشوهاتها.

وإذا أردنا الحديث أكثر وضوحًا إزاء هذه المسألة، فهل هناك أية أوهام أو رهانات على جدية ومصداقية الإدارة الأمريكية الجديدة – القديمة بكل ما يتعلق بالوضع الفلسطيني والقضية الفلسطينية، ونحن الذين جربنا ذات الإدارة في مراحل سابقة وكانت الأكثر تطرفًا وتشددًا ضد شعبنا وقضيتنا الوطنية، وكانت ليس فقط منحازة لإسرائيل وسياساتها وإجراءاتها وحربها التدميرية والفاشية والإبادة الجماعية، بل شريكًا مكتمل الأركان وحليفًا رئيسيًا لها باعتبارها كيانًا وظيفيًا في خدمة الأطماع والمصالح الأمريكية في المنطقة.

ترامب قدم لإسرائيل ما سمي بصفقة القرن، وهو ما لم تحلم به إسرائيل منذ إقامتها على الأرض المحتلة، بل ولم يسبقه أي رئيس أمريكي آخر للاعتراف بالقدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية الى القدس المحتلة في خرق واضح واستهتار بكافة القوانين والاتفاقيات والأعراف الدولية بما في ذلك القرارات الأمريكية التي حاولت دائمًا التعاطي بمنتهى الحذر مع قضية القدس بما لها من دلالات وأبعاد.

علينا أن لا ننخدع أبدًا ببريق المواقف والسياسات الأمريكية، فلقد مضت “صفقة الأسرى واتفاق التهدئة ووقف إطلاق النار” على سبيل المسكنات الأمنية والسياسية التي أرادها ترامب للإيحاء بأن الصرامة هي عنوان رئيسي لتعامله مع قضايا المنطقة، وليس لأنها حل نهائي يحتاج إلى أفكار خلّاقة، توفر لإسرائيل الأمن الذي تبحث عنه، وتضمن حدًا جيدًا من حقوق الشعب الفلسطيني، ربما يكون الشق الأول واضحًا بما يكفي، لكن الغموض الذي يكتنف الشق الثاني يؤكد أن ترامب قد يواصل طريق سلفه جو بايدن في التسويف، أو أن يقدم حلًا مناسبًا، خطته المعروفة بصفقة القرن أو الاتفاقيات الإبراهيمية لن يكتب لها النجاح ما لم تتضمن تسوية سياسية معقولة للفلسطينيين. 

وإذا ما تحدثنا أكثر حول الحل السياسي المعقول بالنسبة للفلسطينيين فلا خيار ولا موقف لديهم سوى المطالبة بالحقوق الوطنية العادلة والمشروعة التي أقرتها قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن “قرارات الشرعية الدولية” ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وهذا يتطلب اتخاذ ما يلزم من إجراءات وخطوات لحماية وإنفاذ “حل الدولتين” المتوافق عليه دوليًا، والعالم اليوم مطالب، سياسيًا وأخلاقيًا، بالانتصار للحق والعدل وللقانون الدولي، وعليه اتخاذ المواقف وإجراءات بحق إسرائيل، وأن لا أن يستمر بالتعامل معها كدولة فوق القانون، وأن يكف عن سياسة الكيل بمكاييل مزدوجة تجاه إسرائيل ودول أخرى.

إن إنقاذ “حل الدولتين” يبدأ بالاعتراف بدولة فلسطين، والمسؤولية عن قيام الدولة الفلسطينية، ودولة الاحتلال وحكوماتها المتعاقبة وبخاصة الحكومة الفاشية الحالية هي من أنهت الاتفاقيات الموقعة بإجراءات عملية، وبدعم من إدارة ترامب السابقة، وربما تتجدد لها مثل هذه الفرص الآن مع الإدارة الجديدة نفسها لفرض المزيد من الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى فرض الهيمنة والأسرلة وسياسة الضم والتوسع الاستيطاني كأمر واقع، وليس من المقبول أبدًا أن نبقى الطرف الوحيد الملتزم بالاتفاقيات الموقعة، فنحن أمام وضع تتجه فيه حكومة الاحتلال نحو المزيد من الفاشية والعدوان الهمجي ضد شعبنا، ومجمل قرارات الاحتلال هي قوانين عنصرية، وإن صمت العالم أمام ذلك، ستنعكس نتائجه على المجتمع الدولي بأكمله.

الإدارة الأمريكية ودولة الاحتلال غير معنيتان باستقرار المنطقة وأمنها، بل تبحث عن تصعيد خطير، وتعمل على استبدال حل الدولتين بحل الاستيطان ونهب وسرقة الأراضي الفلسطينية، وفرض حلول التسوية وأحادية الجانب وتضربان عرض الحائط بكل ما اتفق عليه في السابق.

علينا امتلاك زمام المبادرة وصياغة رؤيتنا الوطنية الفلسطينية الاستراتيجية لمواجهة التحديات التي تواجه القضية، حيث تكبر التحديات في مواجهة المشاريع والقرارات التي ستطرحها الإدارة الأمريكية، وحتى لا تنتهي الأمور إلى المجهول يجب تعزيز إرادتنا الوطنية في التصدي لكل المخططات والأوهام الأمريكية الإسرائيلية والثبات على الموقف كما أسقطنا من قبل المشاريع السابقة كافة التي تنتقص من حقوقنا الراسخة.

زر الذهاب إلى الأعلى