هبل وصايد عافيته
بقلم/ محمد بوخروبة
بعد الاستماع إلى تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب عن العالم كما يراه، نعود ونقول إن هذا النظام العالمي الرأسمالي الاحتكاري الأوروبي الأمريكي المركزي، لا يتشكل من عوالم منفصلة، بل هو كيان واحد لا يتجزأ، بسادته وعبيده وبتابعيه ومتبوعيه وبرافضيه وقابليه وبمختلفيهومتفقيه.
وأخيرًا نُصب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة من دون عقبات أو مقاومة ومن دون مشكلات على الأرض في واشنطن والمدن الأمريكية، فالحملة التي تحدت جميع القوى السياسية منذ انطلاقها، بعد أن ترك ترامب واشنطن في نوفمبر 2020 وحتى إعلان ترشيحه من جديد من مقره في فلوريدا وصولًا إلى آخر عام للحملة في 2024، أطلقت ضجة واسعة وكبيرة في الصحافة الأمريكية، فقد انتخب المجتمع الأمريكي ترامب بموجة عميقة بسبب المواجهات العدلية والسياسية والشرعية التي تعرض لها، وكان كثيرون داخل أمريكا وخارجها قلقين جدًا من المرحلة الأخيرة للحملة الانتخابية، أي منذ المؤتمر الانتخابي في الصيف الماضي وصولًا إلى يوم الانتخاب في الخريف الماضي، وبعد ذلك إلى آلية التنصيب والحفلات النهائية في هذا الشتاء الأسبوع الماضي.
خاف الأمريكيون على مصيرهم وخافوا من احتمال اندلاع مواجهة تمنع وصول ترامب بعد انتخابه إلى سدة الرئاسة ولا تسمح له بأن يدخل البيت الأبيض، لكن كل هذا انتهى الآن وهو من الماضي، والسؤال الكبير هو حول الحاضر والمستقبل..
إن الوضع الإقليمي والدولي يرتبط بمن سينتصر في الانتخابات الأمريكية وما يلحق ذلك، وكيف سيتصرف ترامب على الصعيد الداخلي والخارجي، وهناك سيناريوهات عدة وأهمها تلك التي باتت عمليًا حقيقة في الوجود، وجاءت، وقد جعل الانتقال السلس للسلطة معظم الأمريكيين يشعرون بأن حقبة جديدة بالفعل قد حصلت، ووصفها بعضهم من مقربي ترامب بأنها المرحلة الذهبية للولايات المتحدة، وهو ما سنحكم عليه بعد أن تبدأ الفترة الرئاسية الجديدة، وهي الثانية، وأما الأهم فكان معرفة أولويات ترامب بعد أن أصبح رئيسًا فعليًا ودخل البيت الأبيض وجلس في المكتب البيضاوي على كرسي الرئاسة وبيده قلم لتوقيع بحر من المراسيم التنفيذية.
بالنّسبة لمنطقتنا، نعتقد أنَّنا بِتنا نعرف ترامب جيداً، وسيكون لاعباً مهما وفقَ برنامجه المعلَن، ربما له رغبة في تحقيقِ سلامٍ فلسطينيّ عربيّ إسرائيليّ. ويريد حسمَ الإشكال الإيراني بأحد خيارين، المصالحة ووقف النشاط النووي، أو المواجهة. كما أعلن أنَّه يريد معالجةَ المسألة السّورية، بما في ذلك الدور العسكري التركي فيها، وسيدعم السيادة العراقية، بما تعنيه من إنهاءِ الميليشيات المحسوبة على إيران، حتى يستطيع سحبَ ما تبقَّى من القوات الأميركية، وعلى صعيد ملفنا الليبى أعتقد بأنه ستكون المبعوثة الغانية للأمم المتحدة آخر المبعوثين، وفي اليمن جعلَ الحوثي أول ضحاياه، أعاده إلى قائمةِ الإرهاب، وبذلك يتبنَّى سياسة معاكِسة. سلفُه بايدن كان يهدّد ميليشيا الحوثي بوضعها على قائمة الإرهاب إنْ لم توقفِ الاعتداءاتِ، ولم تفعل، وهو لم يضعها. في حين أنَّ ترامب أبلغها بأن تتوقف إن كانت تريد رفع اسمِها من قائمة الإرهاب ..
ولأنَّ السعودية حافظت على علاقة مميّزة معه في رئاسته الماضية، اختار أن يبدأ اتصالَه الهاتفيَّ الأول مع زعماء العالم، بوليّ العهد السعودي، ويعلن أنَّه عازم على أن يكرّر زيارته،قالَ ستكون السعودية أول بلدٍ يفتتح به زياراتِه الخارجية وستشمل اتفاقاتٍ اقتصادية بستمائةِ مليار دولار، حول هذه النقطة تحديداً فإنَّ معظم الزيارات، غير الطارئة، هي ذات أبعاد اقتصادية. ترامب عندما يتحدَّث يخاطب جمهورَه بلغة السّوق، الرّبح والخسارة، ويأتي التحرك المالي الاقتصادي لوضع الضرائب على البضائع الخارجية لتوفير مدخولات وسيولة كبيرة من أجل إنعاش الاقتصاد الأميركي مع الأخذ بعين الاعتبار الصداقات والشركات الاقتصادية، ومن قراءة كل ما سبق فقد يتخذ ترامب قراراً حاسماً بفتح باب الإنتاج النفطي وإنتاج الغاز والمواد الأخرى المتوافرة في الولايات المتحدة بصورة تسمح للاقتصاد الأمريكي بأن يعيد تموقعه عبر الإنتاج وبناء الآبار وتوسيعها، مع ضرورة أن يكون هناك احتياط نفطي عال جداً يسمح للولايات المتحدة بأن تستمر في حريتها الاقتصادية، وكما أعلن ترامب فسيقود مفاوضات شرسة مع الصين في ما يتعلق بالديون الأمريكية ..
الولايات المتحدة وحلفاؤهم الأثرياء هم من يقيم الاستبداد ويرعاه ويحميه في البلاد التابعة، ليس من باب التآمر بل لأن حماية هذا النظام العالمي الاحتكاري الربوي تستدعي ذلك وتشترطه، وهل من ثراء فاحش وازدهار مذهل هناك من دون فقر مدقع وذل مرعب هنا؟ وكيف يمكننا وضع برنامج صحيح لخلاص ونهوض حقيقي إن لم نستوعب هذه الأمور استيعاباً صحيحاً وحقيقياً ….؟