الانتصار رغم الخذلان!!
بقلم/ فرج بوخروبة
لقد كان الإمام الحسين يعلم بأنه سوف يقتل مع أهل بيته وأصحابه في كربلاء.. بمعنى: أنه لن ينتصر عسكريًا، ولكنه كان يعلم (أيضًا) بأن استشهاده مع أهل بيته وأصحابه، سوف يؤدي إلى إيقاظ ضمير الأمة، وتجديد دماء الحياة فيها، وفتح باب التصحيح والإصلاح وإحياء الدين من جديد في واقعها ومسيرتها، وقد فضّل الإمام الحسين هذا الانتصار المعنوي الدائم، على الانتصار المادي المؤقت.
نعم هذا تمامًا ما ينطبق على أهلنا في غزة، غزة الصمود،غزة العزة والكرامة، لقد فضل أهل غزة الموت في سبيل الله والوطن وقوفًا دون انحناء أو خوفا من الموت في زمن الحرب غير المتكافئة مع عدوهم الذي يملك القوة القاهرة ويملك أعتى السلاح عدة وعتاد، استخدمها في قهر الشعب الفلسطيني الأعزل إلا من عزيمة وإصرار وإرادة قوية لم تتزعزع في ظل الاحتلال الإسرائيلي الغاشم،الذي بنى كيانه على عقيدة دينية يعتريها ضعف الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وأكاذيب وخرافات ليست من الدين في شيء،سوى الخداع والغش وتزوير للتاريخ،وهذه صفات المنافقين،تحت إيدلوجية استيطانية على أرض الميعاد وفق معتقداتهم المزعومة.
قبل أيام انتصرت الإرادة الشعبية الفلسطينية على أرض الوطن بعد قتال وصمود أسطوري، أجبر الاحتلال على قبول إيقاف القتال وفق شروط مسبقة حددها الفلسطينيون رغمًا عن أنف إسرائيل التي هُزمت ورضخت ولم تحقق أيًا من أهدافها المخطط لها بعناية،وذلك بعد أن قال الشعب الغزاوي كلمته لكل متخاذل وتابع من العرب والمسلمين الذين باعوا القضية الفلسطينية بثمن بخس،حين كان لغزة رأي آخر،غير حسابات العرب القابعين تحت وطأة التأثير السلبي على الساحة الدولية.
كانت غزة وحدها تقاوم وتتحدى كل أساطين الغرب وسطوتهم وجبروتهم،دون أن ترى لهذا العالم الظالم إلا من زوايا الخزي والعار، اعتمدت على نفسها وعلى إيمانها بقضيتها العادلة ضد الظلم والقهر والذل والهوان.
انتصرت غزة وهي تضحي بأغلى ما عندها بمنطق الإيمان وهمة الرجال وقوة في التعامل مع عدوها الأزلي،الذي أذعن للتفاوض ذليلًا مهانًا بعد 471 يومًا من القتال والمعارك غير المتكافئة عسكريًا،حيث الدمار الشامل والقصف المستمر على المدنيين من مختلف الأعمار شيوخًا ونساء ورجالا وأطفالا أجهزوا على مدار الأيام على كل الأعيان والممتلكات العامة والخاصة في ظل غياب القانون الإنساني الدولي،الذي لم يقف منصفًا للحق وصحيح القانون الدولي الإنساني المتبجح بأنه النصير والشرعي الوحيد لحقوق الإنسان، وعجز عن نصرة طفل ينشد الدفء، يخاطب الضمير الإنساني الغائب،متبلد المشاعر، ومتحجر القلب، فأي ذنب اقترفته هذه البراءة، حتى يعاقب تحت مرأى ومسمع العالم أجمع، لعله صرخ قائلًا وامعتصماه، واعروبتاه، ظنًا منه أنه قد ينادي حيًا، كلا يا صغيري، فالمعتصم قد مات وماتت معه النخوة والمروءة والنجدة.. والعروبة أمست من الماضي التليد، يستحضرها القادة والزعماء للتفاخر والتباهي كشعارات للتسكين والتمويه الممنهج لشعوبهم المغلوبة على أمرها، كأمرك هذا في وضعك هذا، وكأنك تقول واأسفاه ونردد معك واأسفاه لِمَا نحن وأنت فيه من وهن ومهانةوهوان على من تولوا أمرنا، وتركونا في العراء نصارع كما أنت تصارع الطبيعة وقسوتها من أجل الحياة، التي لا معنى لها ولا عنوان، إلا الخزي والعار، والخسة لهم ومنهم وإليهم.
في نهاية الحرب الأمريكية الفيتنامية وتجهيزات القوات الأمريكية لمغادرة فيتنام، تقابل جنرال أمريكي مع جنرال فيتنامي قال الأمريكي:
إننا لم نخسر معركة واحدة في هذه الحرب.
أجاب الفيتنامي:لكنكم مغادرون غدًا، ونحن باقون!