مقالات الرأي

محاولة أخرى لإشغال الليبيين 

بقلم/ ناجي إبراهيم

وكما جرت العادة منذ أن صارت ليبيا ملفا عند المبعوثين الدوليين قامت مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في الأيام الماضية باللقاء بمجموعة من الأشخاص وفي تجاهل تام للشعب الليبي لمناقشة ما قالت إنه قانون للمصالحة الوطنية لا نعرف من هي أطراف هذه المصالحة أو موضوعها، ولا نعلم ما المعايير التي اختير على ضوئها الأشخاص ومن يمثلون؟ ومن رشحهم؟

وبعد نقاش جرى في تونس تم إحالة مشروع القانون إلى مجلس النواب الذي أقره ودون أن يأخذ في الاعتبار بعد الاعتراضات والملاحظات التي أبداها بعض المشاركين على بنوده، وفي كبيرة أخرى من الكبائر لم تستشر الشعب الليبي صاحب السلطة، وبذلك يكون مجلس النواب قد ارتكب خطأ تشريعيا وتاريخيا، حيث إن القانون يلزم الليبيين تعويض اليهود الذين هاجروا من ليبيا بتحريض من المخابرات البريطانية والوكالات الصهيونية التي تشكلت لتطبيق وعد بلفور لليهود بوطن في فلسطين عن أملاكهم التي يزعمون أنهم أجبروا على تركها، وأيضًا يعطي القانون الحق للمعمرين الطليان التعويض عن الأملاك التي اغتصبوها في ليبيا بقوة السلاح وتركوها عام 1970 بعد طردهم من ليبيا. إذن القانون لا يطرح مشروعا وطنيا للمصالحة، بل يحمل الشعب الليبي التزامات لصالح الغاصبين والذين نكصوا وتراجعوا عن تنفيذ المعاهدة التي وقعوها مع الشعب الليبي عام 2009 في مدينة بنغازي وصادق عليها برلمانهم، والتي التزموا فيها بتعويضه عن الحقبة الاستعمارية وحرب الإبادة وعمليات النفي والتهجير ومعتقلات الموت التي تعرض لها على يد الغزاة الطليان، وبذلك يكون القانون الذي أصدره برلمان الشعب الليبي يرتب التزامات على الليبيين بدون وجه حق. 

هذه قراءة في قانون المصالحة وفي نوايا من يقف وراء صدوره أو ربما جهلهم وربما يوصف بالخيانة العظمى، ولو تعاملنا بحسن نية مع قانون المصالحة الذي مرر عن طريق مجلس النواب فعلينا أن نسأل ما الآليات التي يمكن اعتمادها لتطبيق القانون في ظل هذا الانقسام المؤسسي والمجتمعي، وهل تستطيع الأطراف المتنازعة على كل شيء والمختلفة بل والمتصارعة أن تكون محل ثقة المواطن والمجتمع للقيام بحمل مثل هذا المشروع؟ وكيف يمكن طرح مقاربات كهذه في ظل وجود سيطرة تامة وكاملة من قبل دول وأطراف دولية وإقليمية على كل مخرجات العملية السياسية؟

هل الليبيون والممسكون بالمشهد قادرون على وضع خطوات جادة في قضية كهذه دون أي تدخل خارجي وإملاءات من الأطراف الدولية؟ وهل يمكن أن ينجح مشروع كهذا بدون حوار مجتمعي يشارك فيه جميع الليبيين دون إقصاء أو تهميش؟

ما تم تمريره تحت ما يسمى قانون المصالحة هو محاولة أخرى لإشغال الليبيين عن أصل المشكلة ووصفة جديدة لتدوير الأزمة من خلال توليد أزمات تحت عناوين براقة وجذابة ومغلفة بأثواب خادعة، لا يمكن أن نصدق أن من كان سببًا في المشكلة يمكن أن يكون طرفا في الحل، حيث بدأت الأزمة الليبية عندما تحالفت أطراف محلية لغايات وأطماع ربما شخصية بوضع يدها في أيادي قوى وأطراف خارجية لها غايات وأهداف استعمارية وتستقوي بها على أبناء البلد الرافضين للتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي. 

لن تحل هذه المشكلات التي نشأت بسبب التدخل الخارجي بقانون يصدر من هذا الطرف أو ذاك ما لم يلتق الليبيون جميعًا وبدون تدخل خارجي على عقد يقطع مع أي تدخل أجنبي ووضع نظام جديد لدولة مستقلة وخالية من أي تواجد عسكري للقوى التي كانت سببًا فيما آلت إليه الأوضاع السياسية في ليبيا، ويتبع ذلك رفع أي ضغوط أو تهديد على القضاء وتفكيك المليشيات وتسليم سلاحها لقوات نظامية خاضعة للقانون من خلال تفعيل الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة وإنهاء الانقسام المؤسسي وتبييض السجون وإطلاق سراح السجناء الذين يقضون عقوبة مخالفة لجميع القوانين والتي تعطي الحق لكل مواطن تعرضت بلاده للعدوان حمل السلاح والدفاع عنها، وتعاقب كل من يتقاعس عن القيام بهذا الفعل، وتجرّم كل المتعاونين مع العدو، ما لم يتحقق ذلك فكل ما يجري هو جري خلف السراب ومحاولة من بعض الأطراف لإدامة عمر الأزمة، ويمضي بنا إلى نتيجة واحدة هي في أحسن الظروف المراوحة في نفس المكان والرجوع للمربع رقم واحد. 

ونؤكد الذين يتخذون من عنوان المصالحة بابًا للفساد وهدر الأموال والتمسك بمراكزهم ومواقعهم في السلطة أن الليبيين جميعًا ومن أمساعد إلى جدير وحتى حدود النيجر متوحدون ومتصالحون وجسد واحد، وظهر ذلك في الفزعة العفوية التي تكاتف فيها شعبنا في فيضانات درنة، وبينت فشل المخططات الاستعمارية لضرب النسيج الاجتماعي الوطني، ومثلما أفشل الليبيون مخططات التقسيم فهم قادرون على التصدي للمحاولات الخبيثة لتمرير المشاريع التي تهدف إلى تحويل اهتمامهم وتغيير بوصلتهم عن جدور المشكلة التي تتمثل في التدخل الخارجي في الشأن الداخلي.

زر الذهاب إلى الأعلى