فشل المشروعات الإقليمية الوطنية!
بقلم/ مصطفى الزائدي
يحاول البعض الترويج لفكرة فشل المشاريع القومية في الوطن العربي، مستندين إلى عدم تمكن المشروع القومي من تحقيق الشعارات التي رفعها، وفي مقدمتها بناء الدولة العربية الواحدة، رغم مرور فترة طويلة من الزمن على إطلاقها، لكن الحقيقة أن المشروع القومي للنهضة أطلق منذ زمن ولم يجد طريقا إلى التنفيذ، إذ استمرت الأطروحات الإقليمية الوطنية وفقا لما نتج عن خريطة التقسيم الاستعمارية التي شتت الوطن العربي الواحد إلى دويلات يحتويها وتخدم مصالحه.
لقد ظهرت فكرة النهوض القومي مع انطلاق حركات الرفض العربي للاستعمار التركي من خلال الثورات المناهضة للإمبراطورية العثمانية في المنطقة، التي شملت أغلب المناطق العربية، وأدت في كثير من الأوقات إلى استقلال بعض الولايات التركية عن إسطنبول وشكلت إمارات مستقلة، ولقد عمل المستعمر الإنجليزي والفرنسي على احتواء تلك الحالة وتوجيهها لمصلحته ولمحاربة الدولة العثمانية وإسقاطها، ولقد نجح في ذلك.
بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت مشروعات قومية محدودة من أهمها حركة البعث العربي الاشتراكي التي وجهت كفاحها إلى شقين، الأول بناء الدولة العربية الواحدة على أسس العدالة والمساواة، لكن الشق الثاني توجه لتحييد روح الأمة وهو الدين الإسلامي وإبعاده عن المعركة.
ورغم انتصار البعث وسيطرته على السلطة في قطرين في المشرق العربي، لم ينجح أبدا في أن يتحول إلى مشروع قومي، وكان الدور القطري الإقليمي هو السائد، وعلى العكس نشب صراع قوي وعميق بين حزب البعث السوري والعراقي، كان أشرس من أي صراع بينه وبين أي قوة في دولة أخرى.
المشروع القومي الجدي الوحيد هو المشروع الذي طرحته ثورة 23 يوليو وتوجته بإعلان الجمهورية العربية المتحدة، ومن أهم نتائجه أنه أسس لحالة واسعة من الوعي القومي بكل المنطقة، ووجه جهوده إلى استكمال تحرير الأرض العربية من المستعمر بدعم حركة التحرر العربي، وثانيا محاولة بناء نموذج مستقل لتطبيق العدالة الاجتماعية واعتبرها أساسا مهما لبناء دولة عربية واحدة قوية وقادرة على البقاء والتأثير في عالم متلاطم الأمواج.
لكن مشروع ثورة 23 يونيو واجهه المستعمر القديم وأدواته في المنطقة بكل الوسائل، وتعرض إلى عدة هجمات عسكرية قوية عامي 56 و67، وبعد وفاة جمال عبد الناصر وقعت ردة تاريخية في مصر أرجعت العرب إلى المربع الأول وشكلت إنعاشا للمشروعات الإقليمية.
الحقيقة أن الصراع خلال العقود الماضية قادته مشروعات إقليمية وطنية ضيقة محدودة الأهداف والمنطلقات، سواء ما نجح منها وما فشل، ولم يتأسس في أي وقت من الأوقات على حالة قومية ولم يمارس بآليات قومية.
المناهضون للمشروع القومي يستدلون ببعض الأغاني والأناشيد العاطفية التي ظهرت في فترة الخمسينيات والستينيات ويسوقون لها وكأنها وسيلة الكفاح من أجل النهوض ليقولوا ها قد فشل المشروع القومي، وهم يعلمون أنها لم تكن سوى عواطف ومحاولات للتعبئة، أما الواقع فتسيره أطروحات إقليمية وليست قومية. كما نجح المستعمر أيضا في توليد المشروع الديني الذي صمم لمواجهة صعود فكرة القومية العربية وإخراجها من دائرة الصراع الدولي من خلال تكفير فكرة القومية ذاتها وتكفير رموزها وقياداتها وتكفير كل من يحاول أن يعمل وفقها، مع الإشارة إلى أن المشروع الديني هو صناعة استعمارية تهدف إلى محاربة الدين أيضا بإبقاء الأمة في وضعية ضعف، حيث ضعف الأمة العربية يؤدي بالضرورة إلى ضعف الدين، وهكذا يحاولون صناعة جسم مشوه لن يكون طرفا فاعلا في الصراع ضد المستعمر.
وقد يسأل سائل لماذا نصبُّ جام غضبنا على المستعمر؟ ويتهمنا بأننا من أتباع نظرية المؤامرة، فالداء فينا لكننا نحاول أن نلقي به على الآخرين وننظف أنفسنا منه، والحقيقة أن كل الأحداث تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن للمستعمر الأيدي الطولى في كل ما يصيبنا، وهو الطرف الأساسي في هذا الصراع الدائر على المنطقة منذ سقوط الدولة العثمانية، فلقد سيطر المستعمرون على الوطن العربي، ولم تكن سيطرتهم عملية بسيطة وميسرة، واضطر إلى المغادرة بعد نجاح العرب في مقاومتهم، هم يدركون أنهم لن يستطيعوا الاستمرار في فرض هيمنتهم على المنطقة إلا بمنع العرب من المبادرة وإلهاء الناس في مشاريع أخرى بسيطة يمكن التغلب عليها بسهولة، وهذا ما كان.
خلاصة القول، لن نتذوق طعم النصر إلا بتطوير الصراع والعودة إلى الأصل والعمل الجاد لبناء الدولة العربية الواحدة من خلال مشروع قومي للمقاومة والنهوض ومواجهة مخاطر التفتيت بالمضي إلى الأمام.