مقالات الرأي

الطبيعة والحلم.. رحلة الإنسان مع ذاته

بقلم/ المهدي الفهري

في كل جيل من البشر هناك أقل من واحد بالمائة ممن يحملون شعلة الحضارة وينقلونها للجيل الذي يليه لضمان استمراريتها وتطورها، وهؤلاء هم الذين يستخدمون عقولهم بنجاح والأمر نفسه ينطبق على الأعمال حيث نسبة قليلة من الأفراد ترتبط بنجاحها وتفوقها، في حين يكتفي الآخرون بأداء مهام روتينية عادية وقد يصبحون في بعض الأحيان عبئًا على العمل بدلًا من أن يساهموا في إنجاحه، والطبيعة كذلك لا تحرم الفرد من حقوقه الفطرية دون منحه فرصًا مكافئة ولا تحارب البشر أو تغيّر من خططهم بل تقودهم إلى التغيير السلمي إذا فهموا قوانينها وتوافقوا معها.

وبينما تفرض الطبيعة قانون تثبيت العادات على كل الأحياء فهي تتيح للإنسان وحده القدرة على كسر عاداته وتشكيل عادات جديدة ما يمهد له الطريق لفهم الذات وفهم الآخرين، حيث كشفت إنجازات الإنسان خلال النصف الأول من القرن العشرين مزيدًا من أسرار الطبيعة مقارنة بما كُشف خلال تاريخ البشرية بأكمله، وهذا يؤكد أن العبقرية متاحة لأولئك الذين يفسرون قوانين الطبيعة بدقة والذين يربطون أنفسهم بها لتحقيق النجاح، فالعبقرية تكمن ببساطة في اكتشاف الذات والإيمان بأن الحياة تدعم من يصمد ولا يتراجع أمام العقبات والأزمات.

ورغم أن أحد الأسباب الرئيسية للإخفاق هو انعدام الرؤية العميقة للاستفادة من الفرص المتاحة فإن الإنسان نادرًا ما يدرك القوى الكامنة داخله، وكثيرًا ما يجهل كيفية استثمارها لرفع مستواه الفكري وجعل العالم مكانًا أكثر أمانًا واستقرارًا في وقت يشكل أفول الطموح الكافي وغياب التعليم اللازم وانخفاض الرغبة في اكتساب المعرفة عوامل أساسية للانكسار والاستسلام، إضافة إلى الموقف العقلي السلبي وضعف الرغبة في التعاون ومشاركة الآخرين أفكارهم ومشاعرهم، ما يزيد من تعقيد المشهد لنصل في النهاية إلى نتيجة ملخصها أن ضعفنا الحقيقي لا يكمن في قلة الموارد المختلفة، بل في عدم القدرة على إدارتها، وأن الذين يتغلبون على العجز مثلًا لديهم إيمان يدفعهم إلى التقدم بينما الذين يقبلون به كأمر واقع يعانون الضعف في مختلف جوانب حياتهم، فليس مهمًّا أن يعيش الإنسان في إحباط ولكن المهم أن لا ينظر إلى الإحباط كأمر لا يمكن هزيمته.

والفشل أيضًا رغم كونه صعبًا قد يتحول إلى نعمة إذا ألهم الأفراد للتحرك في المسار الصحيح وتحول إلى فائدة مكافئة، أما إذا تم قبوله كإشارة لليأس والإخفاق فإنه يصبح نقمة ولعنة، وإن الذين يحررون أنفسهم ذاتيا من القيود المفروضة عليهم يدركون أن كل حُلم يمكن تحقيقه والوصول إليه، وأن الحمقى فقط هم من يفقدون أسمى فرص الحياة ويجهلون فوائد الحُلم والحِلم، لأنهم لو عرفوا فوائدهما فلن يكونوا يومًا من الحمقى.

زر الذهاب إلى الأعلى