التطبيع.. اغتيال للذاكرة
بقلم/ ناصر سعيد
على الرغم من دق نواقيس الخطر المتواصل، فإن الأنظمة العربية تتجاهل متعمدة هدير قطار الموت الداهم، كأن الأمر لا يعنيها، وكأن الوطن العربي ليس الضحية المستهدفة في كل وقت وحين، والذين يتابعون النظر إلى هذا المشهد الكارثي، قد لا يتمكنون حتى من الدهشة والعجب من أمة تقاد إلى حتفها وفنائها ويجرجرها جلادوها إلى مصيرها المحتوم وهي مستسلمة خانعة.
الأمة العربية تذبح وتسلخ كل يوم وتخضع لإجراءات فرض الهيمنة، ليس بواسطة إرهاب القوة الأمريكي – الصهيوني فقط، وإنما بواسطة نظام دولي فاجر يقوم على تزوير حقائق التاريخ وتشويه الحاضر والمستقبل، وإعادة ترتيب خريطة الوطن العربي بإتمام صفقات التسوية والتطبيع المنفردة والعمل على إنهاء كافة أشكال التضامن أو الوحدة بين الأقطار العربية ودفعها في طريق التشتت والتشرذم.
هكذا صرنا في هذا الزمن العربي الرديء أبعد ما نكون عن التوحد، وبتنا نتهافت على تطبيع علاقاتنا مع العدو التاريخي لأمتنا، ونتسابق على الانبطاح أمام قطار الموت الصهيوني – الأمريكي الذي ما فتئ يتهدد أمتنا.. وما زالت نواقيس الخطر تقرع، فهل يمكن أن تحدث المعجزة ونتبين أن أوهام التطبيع مع عدو الأمة التاريخي وأحلام السلام الكاذب والانفراد بقرار الاستسلام والنكوص والردة والهزيمة ما هي إلا كوابيس لا بد أن تزول.
لقد واجهت الأمة العربية محنا وقسوة في تاريخها ووجدت من حكامها – في مراحل مختلفة – من يخون ويستسلم ويفرِّط ويساوم، ولكن في كل مرة كانت تتجاوز محنتها وتنهض، منعًا لمحاولات سحبها إلى هامش التاريخ وإغراقها في مستنقعات اليأس والإحباط والهزيمة، لتعود أشد إيمانًا وتمسكًا بمبادئها ورسالتها الخالدة، حيث تنتصر إرادة الأمة في نهاية المطاف ويندحر الأعداء ويتساقطون أمام صمودها وتحديها، مهما اشتدت وطأة المؤامرة ومهما اعتقد العدو التاريخي للأمة أنه نجح في اغتيال روحها ووأد إرادتها، ستظل فلسطين هي القضية الكبرى التي أنجبت كل الثورات العربية القومية والوطنية، ألم يقاتل جمال عبدالناصر على جبهة فلسطين التي ألهمته وحرضته على تحقيق ثورة 23 يوليو التحررية؟، ألم تكن “القدس” كلمة السر لثورة الفاتح؟ ألم تكن قضية فلسطين وراء الثورة في اليمن والعراق والجزائر؟، ألم تحرك وجدان الجماهير العربية وتلهب أعماقها؟، إنها فلسطين العربية مهما اشتدت المحن واستحكمت حلقات السيطرة الاستعمارية.