مقالات الرأي

مستقبل الصحة 

بقلم/ علي المبروك أبوقرين

مع بداية العام 2025 وما يليه من أعوام في الربع الثاني من القرن الواحد والعشرين ستشهد القطاعات والأنظمة الصحية تطورات غير مسبوقة في العلوم والمعارف والتقنية والتكنولوجيا والمفاهيم الصحية، ما يتطلب تغييرات في البنى التحتية لجميع مستويات النظم الصحية، واختلافات جدريه في المباني وتصميماتها الخارجية والداخلية وهياكلها التنظيمية والإدارية ووظائفها المختلفة، ويشهد العالم ميلادا لمهن وتخصصات طبية جديدة، وأخرى قد تختفي، وغيرها قد يطرأ عليها تغيرات جوهرية، وتطورات في طرق وأساليب الوقاية والتشخيص والعلاج والتأهيل، وتتغير الأدلة العملية والعلمية والفنية والمعايير، وتغييرات في المناهج والمقررات والتعليم والتدريب الطبي والصحي، ويكون للبيئة والصحة الحيوانية والزراعية أدوار إيجابية في الاندماج مع الصحة البشرية، وتنفيذ برامج الصحة الواحدة في المكان والنظام الواحد للفرد الواحد.

ويشهد العالم تحديات صحية خطيرة منها الأوبئة وتنوعها وتعددها وسرعة انتشارها وشدة فتكها، وأمراض ستختفي وأخرى قديمة ستعود أكثر شراسة، وأمراض جديدة يفرضها العصر وأنماط الحياة والتغييرات المناخية، وتشهد تطورات في تشخيص وعلاج الأمراض الجينية والمناعية والنفسية والعقلية، وأمراض كبار القدر (كبار السن) الذين سيكونون بنسب أكبر من إجمالي السكان بالعالم، وما تتطلبه من تغييرات جوهرية في الطب الوقائي والرعاية الطبية الشخصية والمنزلية والمصاحبة، ومكافحة الأمراض وتقليل أضرارها في كل المراحل العمرية لضمان الصحة والعافية والرفاه لكامل دورة الحياة، وسيشهد العالم تطورات تكنولوجية في التقنيات الحديثة للصحة الإلكترونية والرقمية، والذكاء الاصطناعي، والطب الروبوتي والتطبيب عن بعد، والخدمات الصحية الاستباقية والتنبؤية والافتراضية، وزيادة التوسع في الاستثمارات الصحية والصناعات الدوائية والبيولوجية والتكنولوجيا الطبية والحيوية وغيرها، وستطرأ كثير من التغييرات الإيجابية التي تعنى بالتنمية البشرية الصحية وتطوير السياسات والتشريعات والقوانين الصحية.

لن يُقبل مستقبلًا أن يعاني الناس من أمراض بالإمكان تجنبها، أو يشقى مريض وذووه من أمراض لها علاجها، وغير مقبول لا علميًا ولا مهنيًا ولا أخلاقيا أن لا يتوفر نظام إسعاف وطوارئ وإنقاذ متكامل ينقذ حياة الناس في ثوان، وسيشهد طب الطوارئ والإسعاف تطورا كبيرا في التعامل مع التحديات الصحية في الكوارث الطبيعية والحوادث والحروب، وسيكون الطب مطالبا بتحقيق النتائج، وبحساب القيمة وليس حساب الخدمة، ونرجو أن يكون أكثر إنسانية وعدالة وإنصافا، وأن ينعم النظام الصحي العربي والدول النامية والدول متوسطة وضعيفة الدخل بذلك لتحقيق التنمية المستدامة، والتغطية الصحية الشاملة، وتنعم بنظام صحي قوي وفعال ومنصف، يتميز بقدرات الاستجابة والاستعداد والمرونة، وأن يشهد النظام الصحي العربي والعالمي تقدما في تحقيق المؤشرات الصحية العالمية الإيجابية لجميع دول ألعالم، وأن تتسع مجالات التعاون الصحي العربي والدولي في البحوث والدراسات العلمية، وتبادل المعلومات الصحية والخبرات، وتطوير القوى العاملة الصحية إعدادا وتأهيلًا وكفاءات، وتتقلص فجوة النقص الحاد في القوى العاملة الصحية.

ومع بداية الربع الثاني من القرن 21 سوف يشهد العالم علوما جديدة، وخدمات صحية مختلفة وتقنيات عالية وتكنولوجيا طبية متطورة، تمكن الإنسان من تحقيق نجاحات كبيرة في مكافحة الأمراض وعلاجها، وتحقيق مؤشرات صحية متقدمة في تعزيز الصحة العامة ومتوسط الأعمار والصحة العقلية، والقضاء على الكثير من الأمراض المزمنة، وتجنب الكثير من الأمراض النادرة والوراثية، ونرجو أن يكون العالم أكثر إنصافًا وعدالة في تحقيق الصحة والعافية والرفاه لكل الشعوب والأمم والمجتمعات، وأن يتمكن الجميع من الحصول على الأدوية واللقاحات والخدمات الصحية عالية الجودة، ونرى العالم أكثر جدية وحرصا على حماية المؤسسات الصحية والعاملين بها، وأن يتوحد العالم في مجابهة التهديدات والأخطار الصحية، ودعم كل ما يخدم صحة الإنسان ويمكنه منها ويحسنها له في كل مكان.

إن العقل البشري صار يسير مع عقول اصطناعية تتسابق معه، وعليه، من أراد العيش بصحة وعافية وحياة كريمة فعليه أن يتقدم صفوف العلم والمعرفة والابتكارات والثقافة متسلحًا بالقيم والمبادئ الإنسانية النبيلة.

زر الذهاب إلى الأعلى