دار الإفتاء وطبول الحرب!
بقلم/ فرج بوخروبة
مع التأكيد أن مجتمعاتنا ليست بدار كفر ولا دار حرب كما تزعم الجماعات الضالة، بل ديار سماحة ومحبة وأخوة يعيش فيها المسلمون مع غيرهم تحت مظلة الوسطية، وترفع فيها شعائر الدين ولا تغيب عنها أحكام الشريعة، ومن شواهد التاريخ تعتبر دار الحرب مصطلحا فقهيا استعمله الفقهاء في مرحلة معينة من التاريخ الإسلامي للدلالة على بلاد خارج دار الإسلام وليس بينها وبين دار الإسلام عهد، وبناء على ذلك فإن دار الحرب من الناحية الواقعية لا يمكن أن توجد إلا بعد وجود دار الإسلام، وتأكيدًا لذلك يتجسد الإسلام في قول رسول الله عليه الصلاة والسلام “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه”، ولكن أن يتمادى مفتي الديار الليبية في الدعوة إلى المزيد من زرع الفتن، والتحريض الصريح للقتال بحجة تحرير البلاد من الطغاة والظلمة من جهته كما عرفهم على أنهم أعداء للإسلام والمسلمين، كما دعا إلى محاربة الجيش والشرطة باعتبارهم خطرا وأدوات تخدم الدكتاتورية تهدد الأمن والاستقرار والسلم، في نظره القاصر عن الواقع المعاش، ويرجع ذلك أيضا إلى ضعف الحجج والبراهين التي يبني عليها فرضياته ذات الطابع الديني المتطرف! ونتذكر هنا مناشدة اللجنة الوطنية الليبية لحقوق الإنسان التي كانت قد تبنت هذه المطالبة المؤرخة في أغسطس 2014 طالبت اللجنة الوطنية الليبية لحقوق الإنسان مجلس النواب بإعفاء المُفتي العام للديار الليبية الشيخ الصادق الغرياني من منصبه ورفع الحصانة عنه، حيث قالت اللجنة إن هذا القرار جاء بعد رصد اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان لدعوات صريحة للمُفتي العام للديار الليبية، بالتحريض على ممارسة وإثارة العنف وتصعيده، وبنظرة شمولية واضحة المعالم قرر مجلس النواب عزل مفتي البلاد، الصادق الغرياني، من منصبه، كما قرر إلغاء دار الإفتاء وإحالة اختصاصاتها واختصاصات المفتي لهيئة الأوقاف في الحكومة المؤقتة.
مع ذلك لم يذعن المفتي المعزول لقرارات مجلس النواب وضرب بها عرض الحائط واستمر بمباركة الحكومات المتعاقبة على طرابلس العاصمة الأسيرة للمليشيات وما في حكمها، والأخذ بفتاوى المفتي المعزول التي بنيت عليها السلطة النافذة الخاضعة لإرادة عائلة الإفتاء المقدسة، كسند وتفويض إلهي من صاحب الشرع والعصمة القابع في حصون الدولة العثمانية، برغم أن جل الليبيين يعتبرون أن الغرياني كان وراء الضغوط التي مورست على المؤتمر الوطني العام من أجل إقرار قانون العزل السياسي المثير للجدل وحصار المقرات الوزارية عام 2013.
وكان آخر فتاواه المثيرة للجدل حديثا أمام مؤيديه أن الحرب في ليبيا هي حرب بين الإسلام والكفر، وحرض أتباعه على دعم قوات فجر ليبيا، معتبرا “البرلمان والجيش الليبي من البغاة الواجب قتالهم”.
وكانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التابعة لوزارة العدل الليبية، قد أصدرت بيانا في 22 أكتوبر 2014 أعلنت فيه أن “الصادق الغرياني مجرم حرب”، معتبرة أن حديثه وفتاواه تحرض على العنف والقتل.
علمًا بأن الصادق الغرياني ترأس دار الإفتاء الليبية بقرار من المجلس الوطني الانتقالي إبان أحداث عام 2011، وكانت مواقف الصادق الغرياني قد أثارت جدلا واسعا في الأوساط الليبية طوال سنوات تواجده عنوة كحاكم بأمر الله على أرضه، الآمر الناهي الذي تسبب في تحيزه لأطراف إسلامية متشددة بعقيدة فاسدة.