2025 عام التحديات
بقلم/ محمد بوخروبة
نودع سنة المخاضات، لندخل العام بمولود جديد، نغادر العام 2024 بعد أن حمل جملة من المفاجآت التي رشحته كأغرب عام منذ بداية الألفية الحالية، فخلال هذا العام 24 تغير شكل المنطقة تغيرًا جذريًا وغير متوقع لدى كثير من المراقبين، بما يشير إلى طبيعة التحولات الدولية الهائلة التي فرضتها موازين القوى، أنجزت فيه المقاومة الفلسطينية إنجازا استراتيجيا لصالح القضية التاريخية رغم ضخامة التضحيات المادية.
طويت فيه صفحة حزب الله اللبناني كذراع إيراني بعد نحو خمسين عامًا، وطويت هذه الصفحة بطريقة دراماتيكية أقرب إلى قصص الخيال العلمي في توظيف التكنولوجيا والاختراق الإلكتروني، طويت فيه صفحات ستظل عالقة في ذاكرة التاريخ، وشاهدًا حيا على طبيعة سنن حركة الحياة، بما تحمله من دروس وعظات، ستخلده.
يغادر العام حاملًا معه مغادرة المشروع الإيراني في المنطقة بطريقة استثنائية ستجسدها أفلام هوليود خلال السنوات القادمة، وما يثير الدهشة والاستغراب غياب الاستراتيجية والدور العربي، جامعة الدول العربية، لم نعد نرى لها حراكًا أو فاعلية رغم التطورات التي تعصف بالمنطقة، وأصبحت بعض القوى الإقليمية هي صاحبة الدور الفاعل في عدة دول عربية، سواء تلك التي تسهم تدخلاتها في زعزعة الاستقرار، أم تلك التي تمارس أدوار الوساطات لحل النزاعات أو الخلافات.
نعم ما زالت هنالك أدوار خجولة تقوم بها بعض الدول العربية بشكل ثنائي مع بعضها، لكن غياب العمل العربي المشترك إزاء كثير من الملفات الساخنة يعبر عن فقدان استراتيجية عربية موحدة تجاه قضاياها المركزية، وهذه الحالة من السلبية تترك فراغًا يملؤه الآخرون وفق مصالحهم، والتي يمكن أن تتحول على المدى الاستراتيجي إلى مهددات قومية تسدل الستار على ما كان متبقيًا من فضاء عربي، وتنتهي بنصب شاهد من الرخام على قبر الجامعة العربية، منقوش عليه نعيها بلغة غير عربية، فالمنطقة والعالم تشهدان حركة متغيرات متسارعة نحو تحولات كبيرة، وتفتح معها فرصًا كثيرة أمام مختلف الملفات العالقة، وتفرض على الجميع مراجعة سياساتهم السابقة، فما كان صحيحًا منها قبل أشهر، قد لا تكون مثالية في ظل معطيات اليوم، ففي هذه المرحلة من السباق يفوز الأسرع وليس الأقوى.
جميع ما حمله هذا العام من مفاجآت غريبة لا أراها سوى مخاضات تهيئ لظهور مولود جديد، تتغير معه تركيبة المنطقة وشكلها واللاعبين فيها تبعًا لتغيرات جذرية مماثلة تشهدها الساحة الدولية. ونحن في ليبيا على موعد مع ما سيطال ملفنا العالق منذ سنوات.
ندخل العام 2025 لنشهد مرحلة جديدة من المغالبة بين المشاريع، فليست هذه هي النهاية، بل هي البداية من جديد مع اختلاف اللاعبين وتبدل الاستراتيجيات والتكتيكات، لكنها في المجمل أكثر إشراقا لأصحاب القضايا العادلة بإذن الله، وهي مرحلة جديدة يجب على الجميع الاستعداد لها بما يتناسب معها من الأهداف والمشاريع والأدوات والأساليب، فهذه هي سنة الحياة التي جُبلت على استمرار التدافع الأزلي بين الحق والباطل، لن يصبح عام 2025 أفضل من سابقه بالأماني والدعوات، وإنما بالنقد الذاتي والمراجعات للماضي المنصرم، وبالتخطيط العلمي الصارم للقادم، ولن تتغير الأعوام ما لم يتغير الأنام، فالأيام مجرد أوانٍ نملؤها بخيرنا أو شرنا، بقوتنا أو ضعفنا، بعزتنا أو هواننا، بجمالنا أو قبحنا، فلنتغير حتى تصبح الـ 365 يوما القادمة عاما يغاث فيه الناس، لا امتدادا للسنوات العجاف.