هل دق الإسفين الأخير في نعش العروبة والقومية العربية؟
بقلم/ فرج بوخروبة
بشيء من التفكير في ما يحدث في العالم العربي كله من واقع مزرٍ، لا يمكن تجاوزه أو تجاهله إلا بقدر ما هو واقع لا يمكن مقارنته بأي زمن آخر، وإذا ما تم البحث عن أسباب هذا التردي على صعيد العالم العربي والإسلامي، فإن النتائج تشير إلى تراجع مستوى الوعي لدى الأمة العربية بشكل عام في ظل وجود جيل جديد وثقافة جديدة وفكر غازٍ ساد وتمكن من الوصول إلى غسل عقول الشعوب العربية، لنزع ما تبقى لها من جذور ماكنة ومتأصلة في تاريخ الأمة العربية من قرون ما قبل الغزو الفكري الغربي، الذي بدأ منذ عقود طويلة ينخر في جسد الأمة العربية بحجة التقدم والرقي والتطور الحضاري، ونقل الشعوب من مرحلة السكون إلى مرحلة الحركة، باسم الديمقراطية والحرية والاستقلال الفكري والاجتماعي والثقافي ودعه يعمل دعه يمر بمنظور ليبرالي رأسمالي جديد.
ثقافة جديدة غريبة عن تقاليد ومبادئ المجتمع العربي الذي كانت سائدة بروح وطنية وحضارية لا يمكن اختراقها في ظل وجود قادة وشعب لهم من الوعي والإدراك والقدرة على مواجهة التحديات الكبرى التي قد يواجهها المجتمع قادم الأيام وذلك بالحث والتشجيع والإرشاد النفسي والاجتماعي والسياسي، والدفع نحو رقي الأمة وازدهارها وعلو شأنها، وشحذ الهمم وتقويتها حفاظًا على هيبة الوطن العربي الواحد، وتبني شعارات وأفكار إبداعية في التصميم والإرادة على الدفاع عن الهوية العربية وتحصينها من كافة أنواع التدخلات السلبية الخارجية، وأخذ القوميون العرب على عاتقهم هذه المهمة وتصدروا المشهد السياسي العربي بكل تفاصيله، عن طريق نشر ثقافة اللغة الواحدة والوطن الواحد والإرادة الوطنية العربية الواحدة والتمسك بمبادئ شعاراتهم القومية العربية، مع التأكيد عليها وعدم التفريط فيها التي لا يمكن أن تكون إلا على مستوى ذهن المجتمع العربي الذي أصبح في مرحلة متقدمة من التدهور على الصعيد السياسي والأمني الذي ساد منذ سنوات دون أي تغيير يذكر في أوساط المجتمع العربي عموما، أين القومي العروبي الذي كان؟! وأين الشعوب الصادقة الحرة الصادحة بالهتافات المناصرة لتلك القومية والاعتزاز بها؟! وأين الشارع العربي المكتظ بالجماهير الهادرة التي تنشد من مراكش للبحرين شعب واحد لا شعبين؟ وفلسطين عربية لا حلول استسلامية! حتى صرنا نصرخ بـ (وين الملايين الشعب العربي وين)!
ومن هنا كانت بداية النهاية للتاريخ العربي القديم المتوهج والمستنير بالفكر والعلوم والمعرفة والثقافة والنخوة والعزوة بعروبتهم التي فرطنا فيها نحن مستسلمين خانعين لخنجر زرع في خاصرة الجسد العربي حتى تمكن من صنع الفارق لصالحه وهو القوي الذي لا يقهر، مع تراجع مستوى الوعي عند العرب في الدفاع عن الذات العربية التي كان من المفترض أن تكون عند قول ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.
تركنا عروبتنا إلى الغرب وتركيا التي تكن الكره والبغض للعربي أينما حل، بقدر ما هم عليه من اهتمام ببناء مجدهم المفقود، وذهبنا إلى إيران الحالمة بعودة إمبراطورية الفرس تحت زعامة الكسرى، وأصبحنا وكلاء وأذرعا لها بدل أن نكون نحن لا غيرنا من يتبنى عودة العرب إلى مجدهم التاريخي الذي أراه ذهب ولن يعود إلا بمعجزة عظيمة.
تهاوت القومية وأصبحت الهوية العربية محل صراع، بل وسخرية بين المكونات والهويات الأخرى المنادية بالهوية الجغرافية والثقافية والفكرية القزمية بعيدًا عن الهوية العربية الشاملة، وللأسف كان لهم ما أرادوه، فالآن نسمع باسم جل الدول العربية وهم ينسلخون من عروبتهم ونزع عنهم صيغة الجمهورية العربية أو المملكة العربية أو سلطنة أو إمارة جلها إن لم نقل كلها حذفت هذه الصفة من قاموسها السياسي والثقافي تماهيًا وترضية للمكونات الصغيرة على حساب أمة كانت عربية!