محطات قطار الموت الصهيوني خلال ربع قرن
بقلم/ محمد جبريل العرفي
أول ظهور لمصطلح قطار الموت كان عام 1978 في ذلك العام أدرجت أمريكا ليبيا في قائمة الدول الداعمة للإرهاب، ومع تولي (ريغان) السلطة 1981، اشتدت الإجراءات العدائية بالغارة عام 1986، وسحب الشركات النفطية وحظر قطع غيار النفط والطائرات، ومنع الطلبة الليبيين من دراسة علوم الذرة والطيران، وتجميد الأصول، بعد تفرد أمريكا بمجلس الأمن تم تدويل وتشديد العقوبات بحصار لوكربي.
تمكنت ليبيا بداية القرن من تفكيك مشاكلها مع الغرب – كان لسيف الإسلام جهد طيب بالخصوص – لكن الواضح أنها كانت خديعة بغرض إيقاف البرامج التسليحية الأربعة؛ المتمثلة بإنتاج أسلحة الدمار الشامل (النووية والكيميائية) ووسائل نقلها بتطوير مدى الصواريخ، والتزود بالوقود في الجو، فكان الهدف خلع أنياب النظام، لتسهيل التسلل إليه بالعبث بحاضنته، بإجراءات التخلي عن العدالة الاجتماعية والتضييق على الناس، وتدمير أركان النظام بتسفيه سلطة الشعب، وشيطنة الأجهزة الأمنية واللجان الثورية، وعرقلة تسليح القوات المسلحة بدعوى تنويع مصادر السلاح، وتخريد المؤسسات الاقتصادية بحجة الخصخصة.
رفعت الأمم المتحدة الحصار ابتداء من 2003.9.12 فاتجهنا إلى التنمية، فاستشرى الفساد، حيث حددت إقرارات الشفافية 861 مشتبها به على رأسهم علي الدبيبة، هذه الفئة كانت تتوجس من إجراءات جدية مفاجئة ضدهم، ولهذا كانت من ضمن الفئات الخمس التي حملت الغيظ وتحالفت لإسقاط النظام 2011.
عربيًا كانت البداية بهجمات 2001.9.11 التي أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنها، بعد أن رعته أمريكا وموله العرب في أفغانستان، وكانت التداعيات السياسية لهذه الهجمات مقدمة لإعادة صياغة المنطقة، بدءًا بغزو العراق 2003.3.20 بكذبة أسلحة الدمار الشامل، وسقوط بغداد في 2003.4.9، بعد 3 أسابيع من حملة “الصدمة والترويع”، لتنتشر بعدها الفوضى والدمار وتتبدد معها الأحلام الوردية التي وعد بها الأمريكان العراقيين والذين اكتشفوا أن الهدف الاستراتيجي تدمير العراق وتقسيمه والقضاء على مقدراته ونهب ثرواته وإعادة تقسيم المنطقة برمتها، ولكن عراق الحضارة امتص الصدمة وبدأ بطرد الغزاة.
ثم القرار 1559/ 2004 الذي أجبر سوريا على الانسحاب من لبنان، ودعا إلى نزع سلاح حزب الله، وعندما لم يتحقق ذلك شن الصهاينة الحرب ضد لبنان في 7/2006 وكان هدف الكيان عزل سوريا ونقلها إلى محور التطبيع، وتجريد حزب الله من سلاحه؛ لكن المقاومة هزمت الصهاينة وطردتهم من لبنان.
ثم الزلزال الذي أشعل شرارته “البوعزيزي” يوم 2010.12.17، لتمتد بعد ذلك الأحداث إلى مصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين، وتلتها موجات أخرى في السودان ولبنان. وما زالت تداعياتها المدمرة على المنطقة العربية مستمرة، فتحولت خلالها الأحلام إلى كوابيس، وغرقت معظم الدول في الصراعات والأزمات والديون، ثم الحرب على غزة ولبنان، وانتهاءً بسقوط سوريا.
محطة القطار القادمة تدمير جيش مصر، وقبله تدمير الجيش الليبي – بعد أن أعادت بنائه ثورة الكرامة – ليسهل الاستيلاء على ليبيا وتحويلها إلى قاعدة انطلاق تشتت جهود الجيش المصري بالحرب على ثلاث جبهات، وبالتزامن مع ذلك تدمير جيش إيران وتفتيتها، أما تدمير الجيش الجزائري فمؤجل قليلًا إلى أن يتم تدعيم رأس الجسر الصهيوني بالمغرب.
العدو التاريخي للأمة هم جماعة الإخوان وما نتج عنها من تنظيمات تنهل من الفكر القطبي، تنفس هذا التيار الصعداء باستيلائه على سوريا، ولهذا ارتفعت أصوات التهديد من قبل فروعهم في ليبيا ومصر، وشد (النهاب) الرحال إلى دمشق بصريرة دولارات، تنفيذا لتعليمات التركي الحالم بكذبة الخلافة، وذلك ربما لترتيب عدوان رباعي على ليبيا (تركي صهيوني أمريكي إخواني) مثل ما حصل بسوريا.
إن مواجهة هذا الخطر المحدق يتطلب من شركاء المصير، التفكير خارج الصندوق في إجراءات جريئة واستباقية جذرية غير تقليدية ممكن أن نحدد منها أربعة: أولها الاعتماد على الشعب في استرداد السيادة وغل يد الأجنبي عن التدخل السلبي في ليبيا، وذلك بالتسريع بعقد مؤتمر تأسيسي تصالحي يؤسس لليبيا الجديدة ويعيد قرارها لشعبها، وهذا يتطلب فرز شركاء المصير الأيديولوجيين عن النفعيين السطحيين، وتحصين الحاضنة الشعبية بالتنظيم وتجذير الوعي إزاء الخدع والأكاذيب التي لا تخدم إلا خطط المشروع الصهيوأمريكي، آخذين في الاعتبار كون المال العربي وقود قطار الموت، ما همش العامل القومي، بينما العامل الديني فقد بوصلته بإشعال حرب مذهبية ليست واجبة وتخدم العدو، متبقٍّ لنا العامل الوجودي كبشر يستحقون الحياة فوق أرضهم، رمانة الميزان لتحقيق هذا بالحفاظ على جيش قوي التسليح بعقيدة وطنية، وأجهزة أمنية محترفة، وثانيها: الرد على محاولات التفتيت بإعلان دولة اتحادية نواتها دول الطوق في أفريقيا بين مصر وليبيا والسودان وتونس، لتوفر القدرات البشرية والاقتصادية.
قد يظن المحبطون أن هذا ضرب من الخيال، لكنه مقترح أكثر واقعية من خريطة الكيان التي قدمها (وايزمان) إلى مؤتمر باريس 1919 ورسمها (النتن) على قيافة جنوده، لتشمل فلسطين والأردن ولبنان وأجزاء من سوريا وشرق النيل والحرمين الشريفين، وأكثر واقعية من دعوة ترامب إلى ضم كندا والمكسيك وجرينلاند وبنما، وأجدى لمواجهة أطماع الأتراك في حلب وإدلب والرقة والحسكة، وثالثها: التحالف مع شركاء المصير وبخاصة الإيرانيون وتتفيه العداوات المذهبية التي يغذيها الأعداء، ورابعها: تأسيس قطب ثالث يمارس الحياد الإيجابي بين القطبين الشرقي بقيادة الصين والأنجلوسكسوني بقيادة أمريكا.