في مواجهة محاولات الاقتلاع والترحيل
بقلم/ محمد علوش
ما يجري في المنطقة له أهمية بالنسبة إلى الفلسطينيين، فهناك متغيرات تتعلق بمحاولات التهجير القسري والترحيل للشعب الفلسطيني، لذلك يجب الحفاظ على البقاء في أرضنا، وحماية مصالحنا الوطنية ومكتسبات شعبنا وإنجازاتنا أمام هذه العواصف، وعلى رأسها الحفاظ على الاستقرار والأمن والسلم الداخلي.
وإن حجم المخططات الاستيطانية في تصاعد مستمر بضوء أخضر من الإدارة الأمريكية، والتهويد والبناء في مدينة القدس لفصلها عن محيطها الفلسطيني، ألم تر تلك الإدارة الغاشمة حالة البناء الاستيطاني والمخططات التي تطرح بشكل يومي، فالاستيطان يدمر حل الدولتين.
الإدارات الأمريكية تتعامل مع القضية الفلسطينية على أنها صفقة عقارية، وتتحدث عن الاقتصاد، أي إعادة قديم الاحتلال الذي يعرف بالسلام الاقتصادي، بينما إجراءات حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية على أرض الواقع تعمل على تقويض الاقتصاد الفلسطيني، وليفسر لنا قادة البيت الأبيض ماذا يعني وقف الدعم عن مستشفيات القدس، وقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني والأونروا، وخصم أموال المقاصة وملاحقة البنوك الفلسطينية، فكل تلك الإجراءات ليست سوى تدمير ممنهج وبقرار سياسي للاقتصاد الفلسطيني، وفرض العقوبات على القيادة والشعب في إطار محاولة القبول بالإملاءات والشروط الأمريكية، وهذه بطبيعة الحال قرارات ابتزازية تمس الكرامة والحرية والاحترام.
لم تأت الإدارة القائمة أو التي ستأتي بوقت قريب بأي جديد، بل كل ما تطرحه هو تكرار للسابق منذ تولي ترامب لإدارته وهو يصرح عن “صفقة القرن”، التي لن ولم تر النور لأنه ببساطة لا يوجد لدى إدارة ترامب أي مشروع لتقديمه، وما تحاول فعله هو قطع الطريق على أي محاولة دولية لرعاية عملية السلام بديلًا عن الرعاية الأمريكية المنفردة والمنحازة لدولة الاحتلال، وبالعكس مشروعها هو مواصلة دعم الاحتلال، وحمايته في المحافل الدولية.
إن الاستيطان لن ينشئ حقًا للمستوطنين رغم التغييرات الديمغرافية التي تحاول حكومة الاحتلال إنشاءها على الأرض، ولن يبدد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية على أرضه، رغم أن هناك أكثر من حوالي 40% من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية تحت سيطرة المستوطنين، إلا أنه استنادًا لقرار مجلس الأمن (2334)، فإن بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية غير قانوني وينتهك القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، وما نود قوله هنا إن الاكتفاء ببيانات شجب وإدانة الاستيطان التي تصدر عن جهات دولية يشجع دولة الاحتلال على الاستمرار به، وإن الرادع الوحيد لوقف الاستيطان لا يتم إلا باتخاذ خطوات عملية عقابية ضد دولة الاحتلال.
إننا نعي تمامًا أن أهداف الاحتلال سياسية وخطيرة تهدد مستقبلنا وقضيتنا ومنع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ووحدة أراضيها، ونحن على ثقة أن شعبنا وقيادته الوطنية لن يرضخ ولن يقبل بما يمليه الاحتلال على شعبنا، وهناك وجود لإجماع دولي بعد العدوان المستمر على غزة حول إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية جوهرية على جدول الأعمال الدولي، إلى جانب وجود توافق دولي على وحدة الأرض الفلسطينية والنظام السياسي، إلى جانب الإجماع على استئناف المسار السياسي بما يحقق قيام الدولة الفلسطينية.
إن على رأس سلم أولوياتنا الوطنية في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة والدقيقة وقف الحرب وإعادة فتح المعابر كافة، وفي المقدمة معبر رفح وتسهيل وتسريع الإغاثة، حيث يواجه شعبنا الموت جوعًا، والانسحاب الإسرائيلي الكامل دون اقتطاع، ويجب أن يكون واضحًا أمام العالم أن اليوم التالي هو شـأن فلسطيني داخلي انطلاقًا من وحدة الجغرافيا، وحدة النظام السياسي والولاية الجغرافية السياسية والقانونية، مع التأكيد المطلق على حق الشعب الفلسطيني في النضال للخلاص من الاحتلال واستعادة حريته وحقوقه، الأمر الذي يتطلب تعزيز الصمود وتفعيل المقاومة الشعبية بكافة أشكالها وإلى تشكيل حكومة توافق وطني تنهض بالمسؤوليات والأعباء الوطنية الكبيرة بعد انتهاء هذه الحرب التدميرية الظالمة التي فرضت على أهلنا المنكوبين والمضطهدين في قطاع غزة الذي حولته آلة الحرب الهمجية وسياسات وإجراءات الاحتلال إلى مكان غير قابل للحياة.
علينا التمسك بالبقاء على الأرض الفلسطينية في مواجهة محاولات الاقتلاع والترحيل، والمحافظة على الهوية الوطنية باستنهاض كل مخزونها التراثي والثقافي والتاريخي العميق، وبكل ما في هذا المخزون من قيم إيجابية ومثل قيمية وسلوكية كبيرة.