في قصر الجولاني.. للغرب معاييره المزدوجة!
بقلم/ مصطفى الزائدي
سياسة الغرب الحديث تماما كالغرب الإمبراطوري القديم تقوم على التوسع والهيمنة وتسخير موارد الأمم الأخرى لخدمته والنظر إلى الشعوب الأخرى بمنظار مختلف، ورغم تخلص الغرب من التقسيم الطبقي والعبودية بعد تفجر الثورات الاجتماعية وفرض مجموعة قيم مختلفة وصياغة وتبني مواثيق حقوقية صارت معيارا للعلاقة بين السلطة والشعوب الغربية، فإن سياسته الخارجية استمرت كما كانت عليه، وتشهد مرحلة الاستعمار الغربي المباشر للعالم على ذلك، الفظائع وجرائم الإبادة التي مارسها ضد الشعوب المستَعمَرة، ولعل إبادة السكان الأصليين في العالم الجديد أمريكا وأستراليا دليل على كيفية تعامل الغرب مع الشعوب، وكذلك جرائم الطليان في ليبيا والحبشة والألمان في ناميبيا والفرنسيين في الجزائر والإنجليز في الهند والصين تبين منطلق ما يمارسه الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني برعاية غربية.
إن معيار تعامل الغرب مع الشعوب الأخرى مختلف كليا عن تعامله مع الشعوب الأوروبية والأمريكية، وفي هذا الإطار تأتي سرعة تواصل الحكومات الغربية مع سلطة فرضت بالقوة في دمشق أعضاؤها لهم سجلات ضخمة في الإرهاب الذي يدعي الغرب مقاومته، ويفرض مقاطعة شاملة مؤذية على نظام منتخب وفق القواعد الغربية.
بين عشية وضحاها أُلبِس الجولاني بدلة وربطة عنق وتقاطر عليه وزراء الغرب ومسؤوليهم وصار محررا بطلا بعد أن كان قبل أيام فقط مجرما إرهابيا ملاحقا، فبأي معيار قاس الغرب سياسة الجولاني، قد يقول البعض وهم محقون في ذلك الجولاني وأمثاله شخوص هم صنعوها ومولوها ومكنوها من السيطرة على دمشق لتأمين الكيان الذي اهتز نتيجة ضربات المقاومة، وما يظهر في السطح مجرد لوازم المشاهد المسرحية، لكن ألا يستحي الغرب من هكذا تعامل يفضح أطروحاته الجوفاء حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالنظام السوري ومؤسساته التي ألغاها الجولاني كانت منتخبة شكليا وحتى الجرائم التي تنسب للنظام تقوم بها أجهزة رسمية وفق القانون، فأين ميزان حقوق الإنسان ومشاهد القتل الوحشي على الهوية، والتعذيب في الشوارع وأمام أجهزة التصوير واعتقال الناس بالجملة فقط بتهمة دعم النظام السابق ووزراء الغرب يتقاطرون على دمشق لدعم مجموعات مسلحة استولت عليها بالقوة بدعم من دول أجنبية!
أتباع الجولاني ما زالوا يهاجمون المجموعات العرقية والمذهبية المخالفة لهم، ويعلنون جهارا فرض إجراءات تحد من الحريات وحقوق الأفراد الشخصية يتعلق بعضها باللباس وطرق التعبد، في حين تمكن سوريا خلال عقود من إنجاز خطوات مهمة في مجال الحرية ونجحت المرأة السورية في انتزاع حقها في التعليم والعمل وتحصلت على دور كبير في المشاركة السياسية، لكن نظام الجولاني المدعوم غربيا يرى في ذلك كفرا مبينا وردة عن الدين.
من جانب آخر يعلن الجولاني أنه لن يجري انتخابات – المطلب الدائم للغرب والسيف المسلط على الدول الأخرى – لما لا يقل عن أربع سنوات بينما قام في لحظات بتغيير مناهج التعليم خاصة في الدين والتربية الوطنية ليتسنى للسلطة الجديد تعليم فهمهم للدين القائم على الفكر المتطرف.
ما يمارسه الغرب مع سوريا هو أمر هين مقارنة بتعامله مع حرب الإبادة الجماعية التي ينفذها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل حتى أن خبر مقتل أكثر من مائة طفل وسيدة وشيخ في غزة ليس خبرا مثيرا للإعلام مقارنة بقبض ميليشيات الجولاني على قيادات من النظام السوري السابق، واستخدام الكيان لقنابل جديدة شديدة التدمير على النازحين في غزة أمر لا يستحق الاهتمام، ناهيك عن الإعلانات الرسمية لقادة الكيان حول وجوب قتل الفلسطينيين وإخراجهم من غزة بالقوة.
لو سلمنا جدلا بأن النظام السوري السابق مارس أعمالا تعد جرائم فهل يوجد وجه للمقارنة بينها وبين ما يمارسه الغرب من قديم الزمان إلى عملياته الأخيرة في أفغانستان والعراق وليبيا وعدوانه الآن على اليمن، مع ممارسات إسرائيل في فلسطين ولبنان وعربدتها المعلنة في كل المنطقة؟
لماذا لم يطلب زوار الجولاني الغربيون منه ولو لفظيا سرعة إعادة السلطة للشعب وإجراء انتخابات وبناء دولة المؤسسات، ولم ينبهوه إلى ضرورة المحافظة على المؤسسة العسكرية والأمنية الحرفية التي حلها الجولاني واستبدلها بمجموعات مسلحة وعين قادتها الذين لا يحمل أغلبهم الجنسية السورية ضباطا برتب عالية في الجيش والأمن السوري؟
السؤال الأكثر بساطة ماذا لو حصل ذلك في إحدى الدول التي تدور في فلك الغرب؟ الموقف سيكون شديدا وصارما، ولذلك أمثلة عديدة ونماذج متكررة نجد في موقفه من ثورة الفاتح في ليبيا والثورة الإيرانية التي أسقطت حكما إمبراطوريا حكم بعقلية القرون الوسطى وأقامت نظاما جمهوريا وفق قواعد الجمهورية الغربية، وموقفه من فنزويلا وكوبا والآن كولومبيا الخ.
خلاصة الكلام أنه ليس للغرب معيار ثابت في التعامل مع قضايا الشعوب، فهو يكيل بمقاييس متعددة ومتناقضة أحيانا تحددها مصالحه في الماضي، أما حاليا فتتحدد فقط وفقا لمصالح وأمن الكيان المزروع في قلب الوطن العربي والعالم الإسلامي!