مقالات الرأي

في فلسفة اللسان العربي 

بقلم/ مهدي أمبيرش

كل المداخلات التي تم تقديمها في سياق الحديث عن اللسان العربي في ارتباطه بمنهج التفكير العربي على أساس أن اختلاف الألسن التي قال الحق سبحانه وتعالى إنها آية من الله إنما هو اختلاف في مناهج تفكير الأمم، والذي يجعلنا نقول إن لكل أمة ما يميز روحها؛ ومن ثم فإن حل وسائل التعبير والعبور إنما هي دليل على منهج التفكير؛ هذا إذا فهمنا أن التعبير بالصوت أوضح من غيره في العلامات والإشارات، من هنا فإن اختزال اللسان في اللغة أو غياب أن اللسان يحيلنا إلى العمليات التي تتم في الذهن والتي تنتج الأفكار التي تعبر من خلال اللغة؛ هذا الاختزال إنما ينحرف من الأساس عن مشيئة الله تعالى التي اقتضت هذا الاختلاف الذي تقوم عليه مشيئة الخلق كله؛ على أساس أنه قانون عام وأنهم لا يزالون مختلفين ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، على أن الذي يعنينا في هذه المداخلات ليس تقديم دروس في قواعد النحو وهي التي يتوقف عندها تدريس العربية، ولا حتي في التأكيد أنها قواعد، أي أنها ليست النحو بل دليله، الأمر الذي به يدخل الإعراب ضمن مباحث الدلالات التي لا تجعل الدليل غاية بل وسيلة، أي أن العربية الوسيلة أو الدليل الذي يقودنا إلى دراسة العمليات الذهنية التي تتم في الذهن، ومن ثم تكون الكلمة ليست لفظا، بل مشيئة وإرادة، وهي بذلك مسؤولة حتى أن الكون بظواهره يحدث أصواتا مفهومة، ولكن لا تكون مسؤولة، صادرة عن وعي وإرادة، حيث قلنا إننا قد نفهم منطقها، كقصف الرعد أو هدير الموج أو حفيف الأغصان أو أصوات الحيوانات، فقد يكون لها مفهوم، ولكنها تقف عند حدود المنطق، أي المفهوم، وقد يكون قابلا لأن يصير قضايا الأحكام، كما عُلِّم سليمان منطق الطير بل والحشرات، ولكن لا نقول إنها تتكلم، فالإنسان فقط الذي يتكلم والذي هو مسؤول أي القادر على أن يبين، حتى إن في بيانه منطقا.

لقد خلق الله الكون بكلمة (كن) فكان؛ وهذه قضية لا تتوقف عند الأسلوب الوصفي وفي قواعد اللغة عند الإعراب الوصفي الذي هو تحصيل الحاصل في إعراب أفعال (كان) أو نفهم فعل (الكون) من خلال صيرورة الزمن منذ الصباح حتى المبيت، بل أن نعيد من جديد لقراءة كان وتجلياتها ضمن سؤال فلسفي عميق كان ولا يزال مفتوحا للتفكير؛ أي العلاقة بين الوجود بما هو وجود وبين الموجود بالذي هو موجود: الأول مشروع التفكير الفلسفي المفتوح دائما إلى نهاية الكون، والثاني موضوع المنطق؛ أي القضايا المنطقية المعقولة أو التي بإمكان قدرة من قدرات الذهن أن تعقلها كي نفهمها وقد تصدر فيها حكما، ولأنها كذلك لابد أن تكون موجودةً تشغل حيزا، ويمكن للعقل أن يضع لها حدودا وقد تكون؛ حيث لا يمكن أن يكون إلا الموجود الذي قد تؤكده من خلال (إن) التي ليست حرفا كما يقول المناطقة، بل في الأقل هي من ثلاثة أحرف وأن (إن) هذه تعمل النصب للاسم أي أنها عندما تؤكده إنما توكد موجوديته المتحيزة داخل ظرف، وذلك بمثابة القيد المتعب من خلال الوضع، ويكون النصب علامة التعب بهذا الوضع، وتكون العلامة الخطية خطا أفقيا علامة التعب والنصب، بل وتكون الطاقة الصادرة من الذهن أضعف من تلك التي تصرف للتعبير عن مفهوم الرفع أو القوة والذى نجعله واوا صغيرة مثل الواو التي تدل على الجماعة وتعبر عن القوة؛ من ثم دعونا لإعادة القراءة للرمز الخطي الذي هو فرع من الإعراب، حيث لا يمكن أن نعرب؛ هذا إذا اعتبرنا الإعراب محاولة توضيح دون هذا الربط مع الرمز الخطي ومن إمكانية إخلال الصوت محل الرمز أي مقاربة إلى تلكم العمليات التي تتم في الذهن.

وليس من سبيل التحمل قولنا إننا نحتاج إلى فريق من المختصين لدراسة الظاهرة العربية كعلماء مختصين في الفيزياء ونبحث الأعضاء والخلايا والحركة الداخلية في الذهن التي يكون الرمز الخطي دليلها لا هي ضمن قليل التدليل. مثلما السنة الظاهرة هي دليل عن المدلول وليست كما يتم في منطقة اللغة الأعجمية التي تقدم الظاهرة ضمن ثانوية الظاهر والباطن التي قالت إنها كانت ولا تزال مشكلة في منهج التفكير أو اللاهوت القديم الذي كان الإنسان ولا يزال يتهم ثنائية السماء والأرض وما تأسس عنها من قوانين تبرر الصراع بين الدين بدءاً من الجزيئية التي أسس عليها أفلاطون مشروعه الإصلاحي في الجمهورية مؤكدا على تصادم بين الرأس والبطن وضرورة وجود برزخ يفصل بينهما حتى لا يبغيا، والذى تطور بالضرورة ليفرض البحث عن الوسيط ومن ثم الثالوث الذي لم يبق على هذا المستوى وبل حدد وبقوة العلاقة الاجتماعية في تقسيم المجتمع إلى طبقات ثلاث والسلطة إلى ثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، بل والعالم: العالم الأول والثاني الثالث، ثم نزعة مادية ذرية تركيبية قديما وإلى الآن، وتطور هذا المركب الجزئي إلى ذرات بل وتفكيك الذرة نفسها وربما تفكيك الذي تم تصميمه ما الذي نواه في العالم اليوم بعد الهبوط بالإنسان المائل إلى الموجود الفيزيائي على أساس دعاوى الفردية والاستقلالية الليبرالية والبحث عن شكل مهمته إيجاد تركيب المستقل، بل وأن تحكم الحركة داخل الشكل أو شكل السلطة وتكون الحركة داخله كما في وهم الخرمة والفعل من خلال الإضرابات والاعتصامات وغيرها من ألاعيب ما يسمى الليبرالية وتقديمه على أنه دليل واضح على الديموقراطية.

هنا نحن حتى وإن كنا نتحدث في منتخب الدراسات اللسانية واللغوية فإننا نحيل منهج التفكير ومنظومة الأفكار ومن ثم قواعد الفعل والسلوك وطبيعة هذه العلاقات، إن هذا وغيره الذي جعلنا نؤكد على الذهاب أبعد من القواعد واللغة، وأننا عندما نتناول اللسان البياني العربي والحكم العربي وأن نصلحه من خلال إصلاح منهج التفكير فإننا نعيد للعربية اللسان ومن ثم الإنسان ذاته وروحه وكيانه، وعندما نقول إن أفعال كان مرحلة ما بعد الموجود الذي نوكده بإن وتمظهراتها وليس إن وأخواتها ولا كان وأخواتها فإننا نحاول أن نحدد أسس قيام مدرسة التفكير العربي، وأننا بذلك نختلف عن بقية الأمم بالقوة التي تحول دون الاعتداء على ملة تفكيرنا أو منهج تفكير فتمسي أعجمية أو أن نكون مخلوقا مشوها بين العربية والأعجمية وحتى التي نبه لها الحق في ذلك الاستفهام الإنكاري (أأعجمي وعربي)؛ سورة فصلت ؛ آية 44، من هذه المداخلة سنواصل في المداخلة القادمة البحث في السؤال الكبير: ما الإنسان؟ ومن الإنسان الذي نقول إنه الإنسان العربي؛ علاقة النوع العربي، بجنس الإنسان الواحد.

زر الذهاب إلى الأعلى