تابوهات الإفتاء.. وثورة ممكنة
بقلم/ عفاف الفرجاني
أصبح المجتمع الإسلامي بأكمله يعيش فوضى الفتاوى الدينية، واتساع الفضاء الرقمي ليتصدَّر سماسرة الدين المنابر، ولعب التعصب المذهبي دورًا كبيرًا في عدم التوسيط، ليأتي لخدمة فكر أو تيار سياسي معين، كل هذه العوامل ودون أي مجهود للاجتهاد!
عجت السوشيال ميديا والفضائيات ببعض الشخصيات الدينية المشهورة التي تسجل حساباتهم الرسمية ملايين المشاهدات، لتلعب دورًا كبيرًا على فسيولوجيا الفرد، وتأسره بغلال الدين وتطحنه بين سندان الحلال ومطرقة الحرام لتصبح الفتاوى أسلوبًا حياة جديدًا ينتهجه المجتمع في إطاره الديني المقنن، في عصر المعلوماتية نجد أن من يملك المال والسلطة يملك القوة، والقوة تسيطر على الفضاء الإعلامي والإلكتروني وفي مقدمته الديني، وفوق ذلك يملكون المشروع.. فكريًّا يفوق السيطرة العسكريّة.
لو رجعنا بالزمن إلى العقد الماضي القريب لوجدنا أن أولى شرارة فوضى الفتاوى الدينية كانت من أشخاص مؤدلجين خرجوا علينا في موجة فوضى السلاح وفوضى السياسة، لتدخل بعدها الناس في حالة من الفتن داعياتها وخيمة من اقتتال ودم وحرابة وخطف… الخ.
نحن شعوب نخاف المفتي أكثر من خوفنا من الله، عندما كان الخيار بين ما أفتى به المفتي وما آمنا به في كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) كان الخيار الأول.
مع أن آخر ما أوصى به نبي الله محمد في وداعه.. يقول: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا فليبلغ الشاهد الغائب” (وهو من صحيح البخاري، ومسلم). إلا أن خوفنا جعلنا ننبطح لفكر مستورد بنكهة الإزار واللحية.
اليوم حرب من نوع آخر، تعدى حتى مصادر التشريع الإسلامي، حرب تقدس فيها الفكرة عن الفطرة التي بنيت على القيم الأخلاقية والإنسانية والشخصية المتوازنة، التي لا تنفصم عن بعض، سواء في الواقع الحياتي أم الافتراضي، حتى ولو فصلنا أنفسنا عن الدين، تبقى الطبيعة البشرية خلقها الله راقية فيها الصدق هو الصدق في أي زمان ومكان، والسرقة والنهب سلوك إجرامي، والفتن شر ولُعن من أيقظها… الخ.
كل هذا لا يستدعي وجود مفتٍ يبين لنا هذا حلال أو حرام، بل يحتاج إلى اهتمام بالتنشئة الإيمانية والأخلاقية الرشيدة.
وانتماءاتنا الوطنية والإسلامية لا تحتاج إلى فتاوى شرعية من دار الإفتاء التي أصبحت رهينة مؤامرة على الإسلام والمسلمين.
في تقديري أن غياب التعاون بين المؤسسات الدينية على مستوى العالم الإسلامي لمجابهة التحديات التي تواجه مجتمعاتنا، هو السبب الأساسي لانتشار دور الإفتاء المؤهلة وغير المؤهلة، وهي السبب الذي جعل تيار الإسلام السياسي يتصدر معظم الواجهات.
الحل الذي يجب أن يكون وقبل فوات الأوان أن علينا جميعًا، ليس كليبيين فقط، بل المجتمع العربي الإسلامي بشكل عام، أن نعمل على نشر الوعي الديني الصحيح، من خلال منصات تواصل مشتركة، بالإضافة إلى دور الأسرة التي من واجبها تنمية الجانب التوعوي للطفل والمراهق لأنهم المستهدفون في هذه الحرب، علينا جميعا كسر هذه التابوهات بضرورة المعرفة والتحقق، ونشر الوعي المجتمعي، وتنفيذ حملات توعوية على مستوى المدارس والجامعات والمجتمع بهدم حاجز الخوف، والنأي عن منابع الفتاوى الميكافيلية التي لا تخدم إلا أصحابها ومشروعهم، والتركيز على المصادر الرسمية المعتمدة لديننا الإسلامي الحنيف وأولها القرآن الكريم والسنة الصحيحة.