مقالات الرأي

الانتصار على الذات انتصار على الفشل 

بقلم/ المهدي الفهري

من يفكر فيما يتعلق بالفشل فسيعيش في فشل، ومن لم يكن سيدا لذاته فلن يكون سيدا لأحد وأمام جميع المساعي البشرية تبدو الطبيعة لدى البعض وكأنها مليئة بالمتاهات الضيقة والمسالك الوعرة التي يلفها الغموض ويسيطر عليها الخوف ويصعب اختراقها وتجاوزها بسهولة وتضع أمام الكثيرين منهم بعض العوائق والعثرات النفسية ما يجعلهم يفشلون في تحقيق أهدافهم والوصول إلى غاياتهم مهما كانت بسيطة ومهما كانت نبيلة ويتحولون إلى عاجزين عن خوض أي مغامرة أو القيام بأي فعل ذي قيمة خوفًا من هذه الهواجس والهموم ولا يتوانون عن سب وشتم الحياة ولعن ظروفها القاسية وندب حظوظهم السيئة التي آلت بهم إلى هذا المقام ودفعتهم نحو هذا المصير دون التفكير في بذل أبسط جهد لمعرفة أسباب الهزيمة ودون تقديم أدنى اجتهاد لمحاولة تحدي أنفسهم والقيام بأية مبادرة من جانبهم لتكييف ذواتهم ضد الفشل ومعالجة إخفاقهم والتعاطي والتعامل بحكمة وذكاء مع الظروف المحبطة والمحيطة.

والاعتراف بأن معظم الفشل المزعوم هو فقط هزائم مؤقتة وعابرة يمكن استغلالها وتحويلها إلى فرص وإنجازات قد يكون رائعة ولا يقدر بثمن في بعض الأحيان، وإن جُل الإخفاقات والأخطاء والإحباطات التي مر بها البشر كانت متبوعة بأعظم لحظات الانتصار والإنجاز للبشرية بأسرها، فالفشل منافس ومزاحم يحتاج إلى جهد مضاعف حتى يتم التفوق عليه، وغريم ومتبجح يجب ألا يتحول إلى عامل محبط ومثبط للعزيمة.

والطبيعة عادة ما تختبر وتصقل الأفراد مع الشدائد لمعرفة القادرين على الصمود أمامها، وشخصية القادة لا تقتنع أبدا بفشلها، ولكن تنظر إليه كمصدر إلهام لتحقيق جهد أكبر للوصول إلى الهدف المرغوب، وكلما كان الفرد قادرًا على تكرار المحاولة عدة مرات كان أقرب لعجلة القيادة وبلوغ مرحلة النبوغ، كما حصل مع بعض المكتشفين والمخترعين أمثال توماس أديسون الذي توصل إلى اكتشاف الكهرباء بعد أكثر من عشرة آلاف محاولة خاطئة وفاشلة، وحينما سئل عن ذلك أجاب بأن ذلك لا يعد فشلًا لأنه وفر كثيرًا من الجهد والوقت لبقية الباحثين والمخترعين حتى لا يقعوا في الخطأ، ومثله فعل جراهام بل وغيرهما كثيرون من العظام في مختلف مجالات الحياة، وكلها ناتجة عن التغيير العميق لتفكير العقل البشري الإيجابي.

وهذا ما يدعونا في هذا العالم الواقعي إلى أهمية تكرار وتذكير أنفسنا باستمرار أن القيود الوحيدة التي تقف أمامنا هي القيود التي أنشأناها في أذهاننا أو سمحنا للآخرين بفرضها علينا ما يدفعنا إلى عدم تسويف وتأجيل القرارات الهامة والمصيرية والانجراف مع الغير دون فهم والتمسك بالثقة والإيمان في محاولتنا للانتصار على الذات ومن ثم الانتصار على الفشل انتصارًا جديرا بإحراز الهدف المطلوب.

زر الذهاب إلى الأعلى