مقالات الرأي

ألا يوجد رجل رشيد؟

بقلم/ ناجي إبراهيم

يدور حديث وربما يتحول إلى قانون يلغي الدعم على الوقود (وباقي المحروقات) التي لا يشملها الدعم في الواقع مثل الزيوت ومشتقات أخرى تنتجها المصافي النفطية في الزاوية والبريقة بسبب سيطرة الميليشيات على هذه المنتجات وتسويقها لصالح قادتها وبعض القوى النافذة وغيابها تمامًا في الأسواق.

إذن عندما يثار الحديث عن المحروقات وتحريرها من الدعم نكون بصدد البنزين وبعض الديزل إذا توافر في محطات الوقود، وهي غالبًا ما تذهب للسوق السوداء بسبب الفساد وغياب الردع الذي طال كل شيء في الحياة الاقتصادية والتعاملات التجارية في ليبيا تشترك فيها أطراف عديدة شكلت ما يشبه (المافيا)، والأسباب التي تسوقها الإدارة الليبية هي العجز في الميزانية الذي يميل لصالح المصروفات، وذلك أمر متوقع في ظل سياسات الهدر وغياب ملاحقة الفاسدين، إلا أن ذلك لا يبرر لأي مسؤول أن يلجأ لمثل هذا الحل لوجود حلول أخرى يبلغ الهدر فيها أضعاف المبالغ المخصصة للدعم المقرر للوقود.

لا أعلم قيمة الدعم تحديدًا خاصة بعد أن رفع الدعم عن السلع الضرورية الأخرى والذي دبر في ليل ولم يواجه برفض شعبي أو رسمي وتحمل المواطن الأعباء الإضافية لمصروفاته وتنازل عن أشياء ضرورية لتلبية بعض من حاجاته وزادت الأحمال التي ينوء بحملها الجبال الناتج عن تدهور وتدني سعر الدينار أمام العملات الأخرى، وهو ما كان يجب أن يحدث في بلد يستورد كل حاجاته من الخارج، ولكنه حدث نتيجة سياسات خاطئة وبضغوط الخارج لإدخال البلاد في نادي الدول التي تقوم على نظرية السوق والدفع بها إلى هاوية القروض، التي إذا دخلناها لن نستطيع الخروج منها.

ووفقا لما تعلن عنه الحكومة في تبريراتها لرفع السلع هي المبالغ التي تتكبدها الخزينة والتي تقدر ب50 مليار دينار، وعدم قدرة الحكومة على غلق باب التهريب الذي سبب هدرا كبيرا لهذه السلعة المدعومة وكان يجب أن يستفيد منها المواطن الليبي ودون أن توضح الآلية التي ستطبقها الحكومة التي تمكن المواطن من الاستفادة من هذه الأموال التي تهدر بسبب تهريب الوقود للخارج، ولم تعطنا الحكومة أي أنواع التهريب التي تسببت في هذا الهدر، لا أعتقد أن ما يحمله الجيران عبر (القلونيات) هي سبب مقنع، ولكنها لم تشر إلى التهريب الذي يتم في البحر وعبره من خلال مافيات تحميها الحكومة وتدعمها، بل هي التي يجب أن تواجه عمليات التهريب، وإذا صدقنا جدلا أن الحل الوحيد لوقف الهدر في الوقود وسد بوابات التهريب هو رفع الدعم وطرح الوقود بالسعر الحقيقي.

كيف يتأكد المواطن أن هذه الأموال ستذهب لجيبه ولا تأخد مسارب أخرى ونجد أنفسنا أمام سوق آخر للفساد تنتج مافيات جديدة؟ هل وضعت الحكومة في حساباتها ارتفاع أسعار النقل الذي يترتب عليه زيادة في أسعار السلع من الغذاء إلى مواد التنظيف مرورًا بمكونات البيت ما يرفع أسعارها ويخلق أزمة في السكن غير الموجود من الأساس؟ ألا توجد بدائل أخرى لرفع الدعم الذي لن يمنع التهريب في ظل تدني سعر الدينار أمام العملات في البلدان المجاورة ومهما بلغ سعر اللتر بالدينار الليبي سيكون متدنيا مقارنة بعملاته؟

قبل أن نذهب لبند الدعم توجد أبواب كثيرة في الميزانية يمكن الاستغناء عنها والتقليص فيها، يمكن أن توفر مبالغ أكبر بكثير من بند الدعم والحكومة تعرفها وديوان المحاسبة أشار لها في تقاريره رفعا للعتب والنائب العام أعطاها ظهره حفاظًا على كرسيه وامتيازاته التي شلت يده حتى صارت تتدحرج وتكبر مثل كرة الثلج وبات من الصعب الولوج لها بعد أن تحولت إلى بيت للدبابير الداخل لها مفقود. 

إذا أرادت الحكومة معرفتها وهي تعرفها يمكن أن نساعدها في ذلك، وليبيا بها من الخبراء الاقتصاديين القادرين على وضع خارطة طريق ناجحة لإيجاد بدائل أخرى لا تمس جيب المواطن ولا تثقل كاهله، وبعيدا عن نصائح الخزانة الأمريكية ومشورة صندوق النكد الدولي غير البريئة الحلول ممكنة إذا توفرت الإرادة وبعيدا عن المناكفات السياسية والسعي لكسب رضا الخارج، ما أخشاه من وراء هذا التمادي في اتخاذ مثل هذا الإجراء هو أن تسيطر الطبقات الرأسمالية التي تكونت في غياب ملامح الدولة على المجتمع في ليبيا وتحويل الغالبية إلى رعايا وعبيد وتخليها عن دورها الاجتماعي وتحملها الأعباء التعليمية والصحية وينتهي بنا الحال إلى زواريب البنك الدولي والتخلي عن مصدر الدخل الوحيد لليبيين نتيجة مراكمة الفشل في تحويل عائداته إلى مشاريع اقتصادية وتنموية تغنينا التسول أو الهجرة عقب نضوبه المحتم، علينا التفكير في مستقبل الأجيال التي ستولد وستترعرع عقب حقبة النفط ولن تجد أمامها إلا مراكب الهجرة، كفى عبثًا بمستقبلنا ومستقبل أولادنا ألا يوجد بينكم رجل رشيد؟

زر الذهاب إلى الأعلى