القرار والمسار.. وحماية المصير المشترك
بقلم/ محمد علوش
نواجه جملة من التحديات الداخلية والخارجية، التقت كلتاهما في التأثير على الوضع الفلسطيني العام وإرباك كافة الحسابات، خدمة لأجندات غير فلسطينية بطبيعة الحال، فما يجري في جنين، من محاولات لتكريس واقع ما مختلف ومغاير وواضح الأهداف والارتباطات وبمواقف وشعارات تؤكد الولاءات السياسية والبرنامجية لتلك الأطراف الإقليمية التي تسعى إلى فرض حالة من الفوضى والصراع على السلطة والعبث بالأمن الداخلي وبالقرار الوطني الفلسطيني.
إن قوى الأمن الفلسطيني تمارس مهامها الوطنية، ومن غير المقبول وصفها بتلك الأوصاف التحريضية التي تغذيها أطراف خارجة عن القانون، والتي تسعى إلى فرض هيمنة من نوع ما، ومنع الأجهزة الأمنية الفلسطينية من القيام بدورها ومسؤولياتها في حفظ الأمن والنظام والقانون طبقًا للقوانين الفلسطينية السارية، وبقرار سياسي من المستوى السياسي والحكومي، لإنهاء حالة التجاوزات على القانون وترويع المواطنين وتهديد السلم الأهلي والمجتمعي واستمرار حالة الفلتان الأمني، والرضوخ لبعض المجموعات المسلحة التي اختطفت أيضًا شعار المقاومة، أو تحاول احتكار فعل المقاومة باعتبارها حقًّا حصريًّا لبعض المجموعات المحسوبة على فصائل بعينها، ممن تتلقى الدعم والتمويل من إيران، وهذا ليس اتهامًا، بل إن بعض الناطقين باسم هذه المجموعات يقرون بذلك علنًا، في ولائهم للمال والنفوذ الإيراني، الذي رأينا نتائجه في غزة وفي لبنان وسوريا وغيرها خلال المراحل السابقة.
إننا نحترم حرية الرأي والاختلاف ونملك الحرص على السلم الأهلي والمجتمعي، ولكننا أيضًا وقبل كل شيء حريصون على مشروعنا الوطني التحرري الديمقراطي وعلى مكتسباتنا ومنجزاتنا الوطنية التي تحققت بتضحيات جسام، ولا ينبغي لأي كان مهما كانت دوافعه ومنطلقاته نبيلة وصادقة ومخلصة أن يتغافل عن هذه الحقيقة وأن يضع الواحدة مقابل الأخرى.
لا بد من وضع حد لكل هذه التجاوزات والانتهاكات المتكررة التي تعكر صفو الحياة الداخلية الفلسطينية، وتصاعد وتفجر الفوضى والفلتان والأحداث المسلحة والدموية التي يذهب ضحيتها الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني، والعمل على اتخاذ إجراءات وتدابير فورية بحق الخارجين عن القانون ومواجهة كل التداعيات الداخلية والعمل على ضوء الخطة الأمنية التي تم إقرارها للحيلولة دون انتشار الفلتان الأمني وبما يخدم المصلحة الوطنية ويحمي البيت الداخلي الفلسطيني، وضمان المعالجة والحلول الجذرية لمشكلة انتشار السلاح غير الشرعي والذي يوظف لغرض الفتنة الداخلية.
إن الوحدة الوطنية هي نقطة الارتكاز الجوهرية التي لا رجعة عنها، ففيها وبها يتم ترتيب البيت الفلسطيني ويعزز قدرات شعبنا وقواه السياسية على مجابهة كل المشاريع التي تستهدف شعبنا وقضيتنا الوطنية، الأمر الذي يتطلب موقفًا حاسمًا بتغليب التناقض الرئيس مع الاحتلال وتفويت الفرصة عليه لنشر الفوضى والعبث وزرع الفتنة بين صفوف ومكونات شعبنا، والعمل الجاد والموحد في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية، ونقل المعركة السياسية والشعبية مع الاحتلال إلى مربع جديد بآليات ووسائل نضالية مختلفة تضمن انتزاع شعبنا لحقوقه الوطنية ووضع القضية الفلسطينية كقضية مركزية على جدول أعمال المجتمع الدولي.
وهذه الوحدة هي شرط من شروط الانتصار، ووحدة الشعب ووحدة قواه السياسية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية هي السبيل لتحقيق أهداف شعبنا في الحرية والعودة والاستقلال، وواجبنا جميعًا تكريس ثقافة الحوار الوطني والديمقراطي والمجتمعي، واحترام الحريات العامة في المجتمع الفلسطيني، واحترام القانون الفلسطيني ليكون فوق الجميع.
إن لجوء بعض الأطراف والمجموعات التي تحسب نفسها على المقاومة إلى العنف هو خرق لكل عادات وتقاليد شعبنا ولما اعتاد عليه الفلسطينيون وقواهم الوطنية، بل إن نهجنا هو الحوار الديمقراطي، وإن ذلك مثل هذه الأعمال والمشاريع المشبوهة والعبثية التي تجد من يحتضنها ويتبنى نهجها ويروج لها إعلاميًا ويسعى إلى خلق حاضنة شعبية لها، لها مخاطر وتداعيات على شعبنا ولا تخدم سوى سياسات وأجندات الاحتلال وممارساته الإرهابية والعدوانية والتصفوية ضد شعبنا وقضيتنا.
وإن ما يحدث في جنين وفي مناطق أخرى بالضفة الغربية له تأثير خطير على الأوضاع الفلسطينية، ومن هناك نؤكد ضرورة الحوار على قاعدة الصراحة والوضوح، وعدم الاختباء وراء الذرائع، حيث لا يفيد ذلك بشيء، ولا يسقط المسؤولية عن ما آلت إليه الأوضاع، والخروج برؤية استراتيجية للوضع الحالي، وضرورة تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، بعدما عانت من التهميش، وعدم الاكتفاء برفع الشعارات، بل بالعمل الجاد على ذلك لأنها ممثل شعبنا الشرعي والوحيد، ولتمسك بأهداف شعبنا المشروعة، ونعتقد أن الحوار هو المدخل الحقيقي لتصويب مجمل الأوضاع وتجاوز كل الأزمة التي تواجهنا بالتأكيد على أن القانون هو سيد الموقف وأنه فوق الجميع، وأنه لا شرعية ولا غطاء ولا حاضنة لكل من يخرج عن القرار الوطني والمسار الوطني والمصير الوطني المشترك.