مخاطر التطويع
بقلم/ ناصر سعيد
لقد نجح الربيع العربي “العبري” في دفع قطار الصهيونية نحو الأسوار العربية الحصينة التي طالما عجز عن اختراقها طوال تاريخ كامل من المؤامرات والحقد والعدوان والسعي نحو الهيمنة على الأمة العربية واختراق العقل العربي وتدمير الشخصية العربية وتذويبها وقتل ذاكرتها وخلق حالة من القبول بالتجزئة والتسليم وقطع كل الشرايين القومية التي تغذي في أعماق الجماهير العربية نبض الإحساس بالانتماء إلى أمة واحدة وهي الأمة العربية اللغة والحضارة والتاريخ.
ورغم أنني أؤمن بأن زمنًا عربيًّا بهذه الرداءة لا ينبغي أن يجرفنا إلى تيارات اليأس والصراخ، وأن الوعي بأبعاد المؤامرة الصهيونية وكشف أقنعتها والتصدي لها وتحديها رغم كل هذا الظلام، هو أقدس ما يمكن أن يقاتل في سبيله شرفاء هذه الأمة العظيمة، فإن الكارثة نفثت دخانها وقطار الموت قد مد قضبانه ليداهم دولنا القزمية الواحدة تلو الأخرى بعد أن صارت الأنظمة العربية تتهافت على الانبطاح والركوع، فأي مصير هذا الذي تندفع إليه الأنظمة العربية؟ وأي مذلة هذه وقد فتحت أبوابها للمهانة وسمحت للغزاة أن يتجولوا داخل الخريطة العربية كيفما يشاؤون؟ ليس هناك هزيمة ولا ذل أكبر من هذا الذي صار معه الوطن العربي يعاني تمزقًا لا مثيل له، وصارت القضية الفلسطينية هدفًا لإجهاضها وتصفيتها، بعدوان وحشي وإبادة جماعية لسكان قطاع غزة وتدمير شامل للبنى التحتية.. لقد أدمت هذه المجازر قلوب الملايين من أبناء الأمة العربية وشعوب العالم، وتعرضت فيها المقاومة الفلسطينية واللبنانية لحملة تصفية خسرت فيها الكثير من قوَّتها القتالية.
إن المعركة مع الصهيونية والإمبريالية لم تتوقف يومًا، وقد أخذت أبعادًا خطيرة بعد أن اندفعت الأنظمة العربية نحو التطبيع وأخذت دور المتخاذل والمتفرج على إبادة الفلسطينيين، وليس أمامنا إلا أن ندرك حجم الكارثة التي تنتظرنا حين نسمح للعدو أن يسدد إلى قلب الأمة العربية الضربة القاضية على روحها وإرادتها، فلا ينبغي أن نركن إلى اليأس مهما طال أمد المؤامرة واشتدت وطأتها، ومهما كانت بشاعة الواقع ومرارته، فالأمة العربية باقية وسوف تنتصر بعزيمة أبنائها.