مقالات الرأي

زيادة أسعار المحروقات: نظرة موضوعية

بقلم/ عبدالمجيد قاسم

كنت شاهدًا على فكرة زيادة أسعار المحروقات في العام 2005م تقريبًا، عندما عرضت اللجنة الشعبية العامة، الجهاز التنفيذي آنذاك، مقترح زيادة الأسعار على المؤتمرات الشعبية الأساسية، واجه هذا المقترح رفضًا قاطعًا من قبل هذه المؤتمرات، الأمر الذي أدى إلى استمرار دعم المحروقات حتى يومنا هذا؛ هذا الرفض لم يكن فقط بسبب تأثيرات القرار المباشرة على حياة المواطن، بل كان يعكس أيضًا المخاوف من تبعاته الاجتماعية والاقتصادية، حيث اعتبر كثيرون أن رفع أسعار المحروقات سيكون له تبعات سلبية للغاية على قدرتهم الشرائية وحياتهم اليومية.

لقد كانت المسوغات التي قدمتها الجهات التنفيذية آنذاك لزيادة أسعار المحروقات تتمثل في واقع استهلاك الوقود المحلي الذي يفوق حاجة السوق، فقد تجاوز حجم الاستهلاك المحلي للوقود 340 ألف برميل يوميًا في وقت كان فيه السوق المحلي يحتاج إلى نحو 250 ألف برميل فقط، وكان الفارق يتم تهريبه إلى دول الجوار، وهو ما كان يشكل عبئًا اقتصاديًا على الدولة، ويهدد استقرار الموارد الوطنية، ولم يكن الأمر مفاجئًا، إذ إنه من الطبيعي أن السلعة عندما تباع بأقل من سعرها الحقيقي تصبح عرضة للبيع في الأسواق الأخرى، وهذا ما كان يحدث فعلًا في حالة الوقود.

وكان التهريب إلى دول الجوار، وخاصة للوقود، موجودًا وإن كان أقل بكثير مما هو حادث الآن، حيث كانت السلعة التي تُباع في ليبيا بأسعار أقل من التكلفة تُهرّب إلى خارج البلاد حيث يتجاوز سعرها عشرة أضعاف، مما يجعلها تجارة مربحة للغاية.

وقد تضمن مقترح رفع أسعار المحروقات حافزًا عرضته الجهات التنفيذية، وهو تقديم الدعم نقديًا للمواطنين لتعويضهم عن الزيادة المتوقعة، ولكن، رغم هذا العرض، قوبل الاقتراح بالرفض التام من قبل الشعب الليبي، وكان السبب أن زيادة الأسعار لن تؤدي فقط إلى ارتفاع تكاليف الحياة، بل ستؤثر أيضًا على القدرة الشرائية للناس بشكل مباشر.

والآن، وبعد مرور عديد السنوات، يبدو أن فكرة رفع الدعم عن المحروقات عادت لتطرح نفسها في الأروقة التنفيذية، وقد تكون أقرب إلى التنفيذ، ليجد المواطن نفسه، ودون سابق إنذار، مضطرًا لدفع عشرات الدنانير لملء خزان سيارته بعد أن كان هذا المبلغ يكفي لملء خزان السيارة لعدة مرات؛ وهذه الزيادة المتوقعة ستكون لها تبعات كبيرة على أسعار السلع والخدمات الأخرى، وسيمتد تأثيرها ليشمل كل ما يرتبط بالنقل، بما في ذلك الخبز، والخضروات، واللحوم، لأنه بمجرد أن ترتفع تكاليف النقل، سينعكس ذلك بشكل تلقائي على كل المنتجات التي تحتاج إلى نقل.

ومن المؤكد كذلك أن ارتفاع أسعار الوقود سيؤدي إلى تغيير أنماط الاستهلاك لدى المواطنين الذي كان يمكنه قطع المسافات بسهولة للقيام بمهام يومية، مثل حضور المناسبات الاجتماعية أو الذهاب إلى العمل، فقد يجد نفسه مضطرًا إلى تقليص هذه الأنشطة بسبب الارتفاع الكبير في تكلفة النقل، وقد يتجه المواطنون إلى وسائل نقل بديلة مثل وسائل النقل العام، التي ستكون أكثر رواجًا في المستقبل القريب، بل وقد يجد المواطنون أنفسهم مضطرين إلى استخدام وسائل نقل فردية مثل الدراجات النارية أو الهوائية، كما هو الحال في بعض دول الجوار.

أخيرًا أقول إن رفع أسعار المحروقات، وإن كان خطوة ضرورية للحد من استنزاف موارد البلاد، يتطلب أن يُتبع بإجراءات موازية تهدف إلى التخفيف من آثار هذه الزيادة على المواطن؛ فمن الضروري أن يتزامن هذا القرار مع تحسين شبكة النقل العام، وتوسيع دائرة الخيارات المتاحة للمواطنين، على سبيل المثال، قد يكون من المفيد تعزيز المشاريع التي تدعم وسائل النقل العام، وتوفير حوافز لتشجيع المواطنين على استخدام هذه الوسائل، ومن ناحية أخرى، قد يكون من الحكمة إعادة إحياء مشروع السكة الحديدية، الذي يمكن أن يشكل حلًا بديلًا منخفض التكلفة لنقل الأشخاص والبضائع عبر البلاد.

ومن جهة أخرى، يجب أن تضع الحكومة في اعتبارها الاستثمار في تحسين المطارات المحلية وزيادة عددها، خصوصًا في المناطق التي تعاني ضعف في خدمات النقل، وبهذا الشكل، يمكن تقليل الاعتماد على السيارات الخاصة وتوسيع خيارات النقل للمواطنين.

الخلاصة

إن زيادة أسعار المحروقات خطوة لا بد منها، في ظل الوضع الاقتصادي الراهن، للحد من استنزاف الموارد الوطنية ومنع تسربها إلى الخارج في شكل سلع مدعومة يتم تهريبها، ومع ذلك، يجب أن يتم تنفيذ هذه الزيادة بحذر، مع مراعاة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي ستترتب عليها، وفي هذا الصدد، لابد من اتخاذ تدابير مصاحبة، مثل دعم وسائل النقل العام، وتحسين مشاريع البنية التحتية، كي لا يقتصر تأثير القرار على رفع الأسعار فقط، بل يمتد ليشمل تحسين الحياة اليومية للمواطنين بشكل عام.

زر الذهاب إلى الأعلى