النضال والتغيير وكسب الرهانات
بقلم/ المهدي الفهري
عندما تتقاعس الدول عن شق طريقها في الحياة بقوة ونضال وتتخلى عن حقها الطبيعي في الحرية والكفاح للرقي والنهوض بشعوبها في كافة المجالات يُظهر التاريخ بوضوح أن تلك الدولة أو الأمة بأكملها سينتهي بها الأمر حتمًا إلى الانحدار والسقوط بسهولة وستتحول إلى فريسة سهلة في أيدي خصومها وأعدائها.
ومجرد فهم الغرض الشامل من الحياة والنظر إلى لأشياء بموضوعية يجعلنا نعتمد على النمط الذي نختاره لحياتنا ومدى تفاعله مع الأفكار المهيمنة على عقولنا، فالحياة عادة ما تمنح فرصة لكل من لديه طموح جامح يريد تحقيقه، ولكل من يتصالح مع تجارب النضال التي يجب أن يخوضها كوسيلة لتحقيق الغايات السامية وإدراك المقاصد المختلفة والإرث النضالي وما يحمل من محصلة تراكمية هو الذي أنتج ثقافة النضال والانتماء التي تم اقتباسها من الطبيعة ومن التاريخ كدروس وعظات لتساهم في تشكيل وعي الإنسان وذاكرته في رحلته الطويلة نحو القوة والارتقاء.
الإنسان ليس مبرمجًا للعيش فقط أو مطالبًا بقبول العيش في ذل، فالعيش في ذلٍّ موتٌ وصمتٌ آثمٌ، لكنه مطالب بأن يكون فردًا فاعلًا في مجتمعه وبيئته ووطنه ومفيدا لنفسه ولغيره وللبشرية جمعاء، وإلا فإنه يتحول إلى إنسان ميت فاقد لذاته وللذة الحياة، ولن يكون قادرًا على امتلاك الإرادة الكافية لبلوغ جميع أهدافه وغاياته.
وفي المقابل الذين يختارون الطرق السهلة عادة ما يتحولون إلى فاشلين وعاجزين عن تحقيق أية غاية وفاقدين لطعم الحياة وربما يصبحون عبئًا عليها، وفي الوقت الذي تدعو فيه الطبيعة إلى ضرورة العمل والنضال وتدفع كل فرد للكفاح في الحياة فإن قانون التغيير الموجود في الطبيعة ذاتها يبقى كل شيء في جميع أنحاء الكون في حالة تدفق ثابتة دون تعب أو تأخير وبشكل يتناسب مع سرعة المتغيرات التي تحدث بين الحين والحين.
وبالنظر إلى الاتجاه الذي نسلكه في حياتنا نجد أن أسبابا عديدة تدعو إلى النضال الفردي من أجل البقاء والالتزام بموقف عقلي إيجابي بدل التسليم بالاعتقاد الخاطئ، والإنسان في حد ذاته نتاج لمحصلة تراكمية من النضال الأبدي جسديا وروحيا، والنضال هو إحدى وسائل الخالق لإجبار الأفراد على الاستجابة لقانون التغيير من أجل تنفيذ الخطة الكاملة للكون، وهو أيضا إحدى الأدوات الذكية التي تستخدمها الطبيعة لإلزام الأفراد بالتكيف والتطور والتقدم وأن يكونوا أقوياء من خلال قبول التحدي بمزيد من الجهد وكسب الرهانات ومن خلال البحث عن فرص للانتصار على الجهل والظلم ومواجهة الظروف الصعبة في جميع مجالات الحياة، وهذا ما يتفق مع شعار الطبيعة “أما الاستمرار في الحركة والحيوية والحياة أو التوقف والجمود والفناء” والوصول في نهاية الشوط إلى قناعة مفادها آن الزمان والمكان لا قيمة لهما بلا نضال وإبداع وإن النضال سلاح الطبيعة للتغيير والتطوير وتوسيع المدارك التي ينبغي أن يستوعبها الفرد كحقائق مهمة في الوجود والتي يغفلها ولا يأبه بها الكثير من الناس، وأن من يتوانى عن مواكبة فكرة النضال والتغيير سيتحول قطعا إلى إنسان تائه، والتائهون لا يصلون إلى أهدافهم أبدًا.