مقالات الرأي

الحماية القانونية لذوي الهمم 

بقلم/ أسماء الفسي

بداية يتعين أن نعلم أن تقدم أي مجتمع مرتبط بمدى تماسك مختلف الفئات المكونة له، والإنسان في هذا المجتمع هو العنصر المهم والأهم في المجتمع، فهو الذي يسعى إلى تحقيق التنمية داخل المجتمع، غير أنه قد يتعرض خلال مسيرته الحياتية إلى عجز في إحدى قدراته التي منحها الله له جسدية كانت أم نفسية أم حتى عقلية لأسباب قد تكون وراثية وأحيانا مكتسبة يتعرض لها خلال حياته ليصبح عندئذ من الأشخاص من ذوى الهمم.

ومن هنا يترتب على ذلك أنهم لا يتمتعون بنفس القدرات الجسدية والذهنية والعقلية التي يتمتع بها الشخص الطبيعي السليم لإصابتهم بنوع أو أكثر من أنواع الإعاقات تعوقهم عن ممارسة الحياة المهنية والاجتماعية بشكل طبيعي وسليم، وهذا النقص في القدرات بعضها أو كلها جعلهم في وضع غير متساو مع بقية الأشخاص الطبيعيين داخل المجتمع، فأحيانًا وجود هذه الإعاقة أو تلك لدى البعض تؤدي إلى ضعف قدرتهم على المقاومة عند ارتكاب جريمة ما في حقهم، وهذا الضعف في قدرتهم على المقاومة كمجني عليه قد يؤدي إلى تشجيع بعض الجناة على ارتكاب الجرائم ضدهم، فلذا أصبح من الضروري إضفاء الحماية القانونية وبخاصة لهذه الفئة وهو ما يبرر وجود تلك الحماية، فوجود الإعاقة يجب أن يكون له الأثر على مستوى التجريم والعقاب، حيث يعد الأشخاص من ذوي الهمم أو ذوي الاحتياجات الخاصة من الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع ومن ثم فلا بد أن يكون لهم الحق في الانتصاف وأن تتوافر لهم الحماية القانونية اللازمة في مختلف محالات حياتهم وفقًا لظروفهم الخاصة بما يسهم في زيادة تفاعلهم مع مجتمعاتهم ويشكل ذلك تمييزا إيجابيا لهم.

وقد تطورت أوجه الحماية المقررة لذوي الهمم، مع تطور المجتمعات الإنسانية فبعد أن كان ينظر إليهم في العصور القديمة بنظرة دونية تغيرت لتكون عطفا أو شفقة أو إحسانًا ولتتحول بعد ذلك إلى الرعاية وتقرير الحقوق ومن ثم المشاركة في بناء المجتمع.

وتهدف الحماية القانونية لذوي الهمم إلى ضمان حقوقهم وحمايتها من التميز أو الإهمال وليتحولوا من أشخاص متلقين للخدمة فقط إلى منتجين وفاعلين في مجتمعاتهم، وهذا ما كان لهم ذلك في كثير من دول العالم فأبهروا العالم بما وصلوا إليه بمجرد ما توافرت لهم البيئة المناسبة والدعم من المجتمع، فلقد شكل ذوو الاحتياجات الخاصة فئة غير مرغوب فيها ومنبوذة في العصور القديمة وينظر إليها على أنها عبء على المجتمع بسبب تراجع دورها الطبيعي، ولذلك كانت محرومة من حقوقها، غير أنه بفضل التفتح والوعي الذي وصلت إليه المجتمعات الحديثة، تغيرت النظرة لهذه الفئة وأصبحت محل اهتمام خاص وذات مكانة كبيرة سمحت للكثيرين من هذه الفئة بتجاوز عجزهم والمساهمة بفاعلية كبيرة في بناء المجتمع.

ولقد نادت الأمم المتحدة بإعلاناتها المختلفة إلى ضرورة حماية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وتقرير حقوق مميزة لهم بحكم حالتهم، لذا أوردت في أغلبية الإعلانات الصادرة عنها بندا يتضمن دعوة الدول إلى أن تقدم لذوي الاحتياجات الخاصة عناية فائقة في تشريعاتها الوطنية، وذلك من خلال عقد بعض المؤتمرات الدولية التي ناقشت قضايا الإعاقة، والتوقيع على بعض المواثيق الدولية التي تناولت جوانب هذه الحماية والتي جاء في مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي راعى حقوق هذه الفئة كسائر البشر وكذلك اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2022 حيث صادقت عليها 71 دولة.

زر الذهاب إلى الأعلى