مقالات الرأي

نقاط الاتصال وخطوط الانفصال بين التنظيم والتيار

بقلم/ محمد جبريل العرفي

التيار يتكون من تنظيمات وأفراد يتبنون رؤية سياسية واحدة، ولا تربطهم صيغة تنظيمية، أو قيادة موحدة، وقد لايعرفون بعضهم بعضا، أحيانا توجد اجتماعات وبيانات غير ملزمة للجميع. الانتماء للتيار طوعياً. بينما عضوية التنظيم بالضم، وله رمز يقوده وقيادة تخطط له، وثوابت يؤمنون بها، ونظم يطيعونها.

أثناء الاحتلال التركي كان هناك تيار التتريك الذي يكتسب سلطته من الأستانة بالختم والبرنوس، وتيار التمرد على الأتراك، رغم أن الأسباب لم تكن كلها تحررية، بل معظمها بسبب الصراع العائلي أو جمع الميري.

بعد أن سلمتنا تركيا للإيطاليين انقسمنا إلى تيارين؛ تيارمُطَلْين يقوده بقايا الأتراك، وتيارمجاهد يقوده أحمد الشريف، (عضو الحركة السنوسية). عندما اشترى الإيطاليون ذمة إدريس السنوسي، تولى الجهاد عمر المختار، وتحولتالحركة السنوسية من حركة دعوية جهادية تربوية، إلى تنظيم مطلين عميل للتنسيق الأمني مع الإيطاليين، كسلطة محمود عباس اليوم.

حولت مفاوضات ترتيبات ما بعد انتصار الحلفاء الليبيين إلى تيارين؛ أحدهما يقوده بشير السعداوي يدعو إلى استقلال ليبيا جمهورية موحدة، والثاني يقوده إدريس مستخدماً تأثيره الديني على شيوخ القبائل، يتبنى استقلال ليبيا وملكها إدريس، أو برقة مستقلة والباقي دبروا حالكم. بسبب مطالبة الروس بإقليم طرابلس كحصة من الغنيمة، أسوة بالإنجليز والفرنسيين، رضخت بريطانيا لاستقلال ليبيا موحدة، وتنازل تيار الجمهورية للملكية مقابل استقلال ليبيا الموحدة، فنصب الإنجليز إدريس ملكا عليها.

بالعهد الملكي انقسم الليبيون إلى تيارين أحدهما رجعي قبلي فاسد، تابع للغربيمثله الملك والعائلات المتنفذة، وتيار معارض تحرري يقوده علناً حزب المؤتمر وجمعية عمر المختار، وسراً أحزاب عروبية ودينية. التجربة البرلمانية الليبية وثورة ناصر مكنتا التيار التحرري من إبراز وجوده، وشكل منغصات للنظام، فحل الأحزاب، ونفى السعداوي وواجه المحتجين بالسلاح، وغير حكوماته 11 مرة خلال 18 سنة، وارتمى في حضن القواعد، وعمق حكم العائلات.

الفاتح 69 استطاع التيار التحرري العروبي أن يستولي على السلطة. لكن بعد الثورة الشعبية 73، التي كانت تهدف إلى تقويةالشعب الليبي؛بتحريرهمن ثقافة الأحزاب، وقيود البيروقراطية، واحتكار السلاح، وبعد قوانين العدالة الاجتماعية لتحريره من الاستغلال، انقسم الليبيون إلى تيارين ثوري ومعارضة، كما أن دعم حركات التحرير استعدى الإمبرياليين، فتراكمت المصاعب وبخاصة بعدانهيار أسعار النفط 84، وهزيمة حرب تشاد التي كانت لدعم مسلميها، ومؤتمرمدريد، والحصار، والزندقة الوهابية.

اجتزنا الأزمة وخرجت ليبيا أقوى، وفككتمشاكلها مع الغرب واتجهت إلى المصالحة والتنمية، وكبرت حجمها بالتمهيد لتأسيس الولايات الأفريقية المتحدة.

بعد 2000 انقسمنا إلى ثلاثة تيارات، أحدها تقوده اللجان الثورية،التي تريد الحفاظ على مشروع العدالة الاجتماعية وسلطة الشعب، وراية الحرية، وجيش قوي، وأجهزة أمنية محترفة، والثاني ليبيا الغدالمبهورة بالتجربة الغربية، والإعلام الرأسمالي،في الخصخصة وتخريد القطاع العام، وسحق الفئات الهشة، وغيابالعدالة الاجتماعية، والتضييق على الناس. والثالث المعارضة بقيادة الإسلاميين من إخوان وجبهة إنقاذ وزنادقة.

استطاع الإخوان التسلل إلى مشروع ليبيا الغد، مستخدمين التُقية لتحقيق مكاسب، بعضها شرعي كالعفو وجبر الضرر، والمشاركة السياسية، وأغلبها باطني للاستيلاء على السلطة، فبدا النخر في ركائز النظام كسلطة الشعب واللجان الثورية والأجهزة الأمنية.

لم يحسم أيٌّ من التيارينالمعركة لصالحه، إلى أن أعلنت (كونليزا) مشروع الفوضى الخلاقة، التي بدأت بليبيا 2011، فانقسم الليبيون إلى تيارين متقاتلين سبتمبر وفبراير، وبعد 8 أشهر من المواجهة انتصرتيار فبراير بدعم الناتو وبعض الأنظمة العربية.

سيطر الإسلاميون على المجلس الانتقالي والمؤتمر الوطني، ولكن عنما فقدوا السيطرةعلى مجلس النوابانقلبوا بعملية فجر ليبيا 2014، فظهرت ثلاثة تيارات، جماهيري تمثله الحركة الوطنية الشعبية الليبية، وسيفي تمثله الجبهة الشعبية، وفبرايري يقوده الإسلاميون، ثم انطلقت ثورة الكرامة حققت انتصارات على الإرهاب، فبسطت الأمن في معظم ليبيا، فأصبحنا تيارين قويين أحدها(وطني) تمثله ثورة الكرامة والحركة الوطنية الشعبية الليبية وبعض الفبرايريين، شعاره”استعادة ليبيا وطناً للجميع آمناً ومستقلاً ومسؤولاً والسيادة فيه لشعبه”، والثاني (عدمي) يمثله الإخوان والمقاتلة والنهابون وبعض الفبرايريين وبعض السبتمبريين، وثالثهما تيار (متحفي) ملكي انفصالي ضعيفتقوده العائلات المستفيدة من الملك، والقبليين الانفصاليين.

اشترى التيار (العدمي) السلطة من حوارجنيف، بتحالفالإسلامويينبرئاسة المقاتلة والنهابين بقيادة (الدبيباتشيلد)، فأصبح التيار العدمي يملك ثروة وميليشيات وسلاحا، ومول إعلاما واشترى ذمما، واستقوى بالخارج، مفرطاً بسيادة الوطن ومقدراته. هؤلاء قد يفجرون اقتتالا يشكل خطراً على البلاد، لأنهم مستميتون على التشبث بالسلطة، فشعارهم “من يذبح الدجاجة التي تبيض ذهبا”.

التياران (الوطني والعدمى) هما المشكلان للمشهد الليبي الحالي، والأجدى أن يتم الحوار خلالهما، وليس بين الأجسام المعزولة عن الليبيين.

أمامنا أربعة سيناريوات:

إما أن ينفجر الوضع وتزول ليبيا.

أو يتم تبني حل تلفيقي بدستور (تورا بورا) وبانتخابات ينجح فيها من يمتلك المال، فيستولون على المجالس التشريعية ويشكلون حكومات منهم ومؤسسات سيادية تابعة لهم. وتستمر الأزمة لعقود.

أو حراك سلمي تحميه القوات المسلحة، يقود إلى مؤتمر تأسيسي يحضره كل الليبيين، ليقرروا مصيرهم ويضعوا ثوابت دولتهم.

الخيار الرابع الإستراتيجي لإنقاذ المصير، وفي ضوء ما حدث في منطقتنا منذ إسقاط سياد بري بالصومال 1990 إلى الأسد بسوريا، والصراع بين الشرق والغرب، والخطر المحدق بليبيا ومصر والسودان، هو إنشاء دولة اتحادية عربية نواتها دول ميثاق طرابلس 1969.12.27 ودستورها القرآن الكريم.

زر الذهاب إلى الأعلى