مقالات الرأي

تسويق الأوهام 

بقلم/ مصطفى الزائدي

لماذا لا تجرى انتخابات حقيقية شفافة في ليبيا؟

‏هل لأن الليبيين لم يتعودوا على الديمقراطية والمشاركة في الانتخابات واختيار القيادات كما يدعي الغرب؟

الإجابة بالنفي، فالليبيون من أكثر شعوب المنطقة تعودا على الانتخابات بأشكالها المختلفة، ففي بدايات القرن الماضي ظهرت إلى الوجود الجمهورية الطرابلسية كأول جمهورية في الوطن العربي وأفريقيا، وفي نهايته أعلنت أول جماهيرية تقوم على ديموقراطية المشاركة، وليس فقط اختيار الحكام. 

منذ الاستقلال شارك الليبيون في عمليات انتخابيّة وإن كانت بسيطة في الخمسينيات والستينيات، حيث أجريت انتخابات مجلس النواب والمجالس التشريعية بالولايات، صاحبتها عمليات تزوير من خلال سلطات الانتخابات، كما هو مثبت في كثير من الوثائق وما شهد به من عاصرها، ففي أول انتخابات تدخلت سلطة الاحتلال الإنجليزي للحيلولة دون انتخاب قوى وطنية، وتم إقصاء المؤتمر الوطني وجمعية عمر المختار، كذلك كان الحال في انتخابات مجلس النواب، لكنها كانت حقيقية وجدية في السبعينيات والثمانينيات وما بعدها، فتم انتخاب مجلس الأمة الاتحادي، وانتخاب وحدات الاتحاد الاشتراكي والمؤتمر القومي العام.

ومع إعلان قيام سلطة الشعب جرت عمليات اختيار شعبي مباشرة عدة مرات في السنة لكل مستويات السلطة، فكان الليبيون ينتخبون لجانا شبيهة بإدارة المحلات وفروع البلديات والبلديات التي سميت لاحقا شعبيات ومؤتمر الشعب العام الذي يتكون من مئات الأعضاء، وكانت عمليات الاختيار المباشر تلك تسمى تصعيدات شعبية، وبغض النظر عما يقوله خصومها ومحاولات تسفيهها فلقد كانت عمليات انتخابيّة واسعة وشفافة ومباشرة، وهي لا شك أكثر نزاهة من كل العمليات الانتخابية التي جرت بعد 2011، سواء من حيث تأثير الإدارة في نتائجها أو دور المال الفاسد في تحديد مخرجاتها، والأهم عدم وجود أي معامل خارجي بها على الإطلاق، وربما كان من بين الأشياء المؤثرة فيها العوامل القبلية والاجتماعية، وقد كان ذلك أمرا سلبيا إلى حد ما، لكنه يعكس حقيقة الديمقراطية الغربية لكونها تمكن الأغلبية من فرض إرادتها على الأقليات.

في الواقع الليبيون متعودون أكثر من أي شعب آخر في المنطقة على الانتخابات والتصعيدات الشعبية ومتمرسون عليها، ولن يحتاجوا إلى زمن لتعلم ممارستها، وعلى العكس تجربة الانتخابات التي جرت بعد 2011 لم تكن إيجابية، لأنها أجريت في ظل قوانين أقصت أغلب الليبيين من المشاركة فيها ترشيحا وتصويتا، وبسبب ما شابها من عملية تزوير ودور المال والتدخل الأجنبي بها، حتى أن العالم لم يعترف في واقع الأمر بنتائجها، والدليل موقفه من مجلس النواب المنتخب من الناحية النظرية، فما المانع الجوهري من إجراء انتخابات تمكن الليبيين من اختيار سلطات تشريعية وتنفيذية لإدارة شؤونهم.

مما يثير الضحك إشادة ما يسمى المجتمع الدولي في مجلس الأمن بانتخابات البلديات التي جرت في الفترة الماضية، وكأنها عملية لا سابقة لها، وهذا ليس غريبا لأن مهمة ومتطلبات وطبيعة الترويج لمشروعات هدامة تتطلب في كثير من الأحيان أن يُجعل من الحبة قبة، فعدد المصوتين والمترشحين في انتخابات البلديات نسبة قليلة جدا مقارنة بالأعداد الكبيرة التي كانت تشارك في التصعيدات الشعبية، ويمكن لتأكيد ذلك الرجوع إلى السجلات.

خلاصة القول إن المجتمع الدولي المهيمن على ليبيا ليس من مصلحته إجراء انتخابات، وهكذا حال المجموعات المسيطرة على الأرض، فكلٌّ يبدو أنه مكتفٍ بما لديه، يقبلون تعايش الأمر الواقع.

من نافلة القول التذكير بأن لكل الأطراف الدولية المتداخلة أدوات محلية أوجدت توافقا هشا من أجل البقاء، وهذا لا يلغي أن بعض الأطراف المحلية وطنية ومخلصة للقضية، وكذلك بعض الأطراف الدولية تعمل لمصالحها، لكن بما يضمن مصالح ليبيا، لكن وجود أطراف أخرى تخدم فقط أجندات معادية يقلل -إلى حد كبير- من تأثير المجموعات الوطنية!

إن حلا يضمن وحدة ليبيا واستقلالها ويمكن الشعب الليبي من فرض إرادته والتحكم في مصيره والسيطرة على مقدراته لن يتحقق من خلال حالة الوهم التي تسوق لها الدوائر الغربية بشتى الوسائل، فما يطرح من مبادرات متكررة يشبه عمليات تنوير الزينة المؤقتة التي تتلاشى وتختفي مباشرة بمجرد سماع انفجاراتها! والحقيقة أن هدف طرح المبادرات والتلويح بتبديل الحكومات وحتى التلويح بالانتخابات هو إبقاء الحال على ما هو عليه، فهو مرضٍ -على ما يبدو- لجميع المتصدرين، وسيكون أمام الليبيين وقت طويل جدا حتى يهتدوا إلى رأس الخيط، بالرغم من أنه قريب من جدا من أطراف أصابعهم!

 الأوطان لا تستعاد بالأماني والأوهام، بل تحتاج إلى كفاح جدي، والحقوق المشروعة للشعوب تسترجع فقط بالنضال المتواصل المبني على الوعي والمتسم بالصدق والإخلاص.

الدعوة إلى التعامل مع المبادرات التي تطرح من هنا وهناك وفق حقيقتها ودوافع إطلاقها وليس لما تحتويه من أفكار قد تكون جميلة، لكنها لن تجد طريقها للتطبيق.

زر الذهاب إلى الأعلى