سايكس بيكو.. بمقاس ال L
بقلم/ عفاف الفرجاني
وحدها الحالة العربية على مستوى العالم تسقط فيها الدول وتدمر بأيادي شعوبها، حيث لعب العدو الخارجي دورا مهما في تقسيم مراحل انهيار الدولة، فبعد فكرة تغييب العقل وانجراره وراء مشروع نسج من وهم مطامع استعمارية، ممزوجا بنكهة الإسلام السياسي الذي لعب على وتر العاطفة قبل الدين، استطاع أن يكسب قبولا كبيرا في الأوساط الاجتماعية، كوننا شعوبا تعيش على أفيون الدين المقولب الجاهز للاستهلاك، الذي نتج عنه ولادة قوة غاشمة لعبت أولا على الفرد من خلال تفكيك النسيج الداخلي، وأقصت البعض على البعض، وساهمت في خلق صراع بين المؤسسات… الخ.
لا طرف رابع في الصراع العربي الأخير، وحدهم القوة الخارجية الطامعة، والعدو الداخلي الحاقد، وزمرة من زنادقة الدين الذين يسعون إلى أخونة الدولة لتكون محمية سياسية لأسيادهم.
في تقدير بعض من جبناء الحكام العرب والنخب السياسية أن ما يحدث في أي قطر عربي هو شأن داخلي في منأى عنهم، نناقضهم! لا سوريا ولا لبنان ولا ليبيا ولا العراق ولا اليمن وحدهم في خندق المؤامرة، بل القضية تعدت لتشمل الشرق الأوسط بأسره.
المنطقة دخلت حقبة من إعادة رسم للحدود الاستراتيجية، فمع الإطاحة ببعض الأنظمة العربية وقتل ونفي زعمائها وتدمير بنيتها التحتية بشكل مدروس وممنهج، حتى لا تستطيع إعادة بناء نفسها كدول موحدة، والخطة تقتضي أيضا إعادة العدوان على كل دولة يثبت عليها إعادة بناء نفسها، حتى أن العراق التي استهدفت قبل الكل، والتي تعاني صراعات طائفية، ووضعا اقتصاديا هشا ووجود مستعمر أجنبي يقاسمه التراب والحكم. بمجرد أن حاولت إنتاج نفسها ثانية، كان لها الأجنبي بالمرصاد، وبدأ بالعمل على تفكيك بعض الألوية التي تحاول إعادة بناء قوة عسكرية تحمي حدودها وأمنها واستقرارها، لتصنف من قبل الصهاينة وحلفائهم من الولايات المتحدة الأمريكية على أنها ميليشيات مدعومة من إيران، وهذا جزء من الأجندة الأمريكصهيونية، طبعا مع احتمالية إسقاط الحكومة الحالية لترجع العراق إلى المربع الأول من نكبتها.
قد تتباين القوة المهيمنة في المنطقة في أهدافها وأطماعها، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، فالولايات المتحدة تسعى إلى مواجهة نفوذ إيران وحماية حليفتها إسرائيل في تحقيق حلمها في السيطرة على المنطقة، في الوقت الذي تهدف روسيا إلى الحفاظ على قواعدها كموطئ قدم استراتيجي، بينما إيران تعتبر في سوريا ولبنان والعراق حلقة حيوية ورابطا طائفيا ودينيا يجب دعمه، ووقفا للمد الصهيوني في المنطقة العربية، أما تركيا ذات التاريخ الاستعماري الذي لا يختلف حتى عن تاريخ الصهاينة فتدخلها يأتي لتأمين حدودها وممارسة نفوذها على الجميع.
أما إسرائيل فلها رؤية طويلة ومختلطة أولها ضمان الهيمنة الإقليمية كمشروع دولة واحدة تمتد من الفرات إلى النيل، والسيطرة الكاملة على الجناح الآسيوي من الخارطة العربية، المنطقة اليوم مهددة بانهيار سياسي كامل، فمستقبل سوريا لم يصبح غامضا وكُشف وجه الحقيقة من خلال متصدري المشهد بعد رحيل الأسد، حيث التدهور السياسي والتدخل الخارجي المتمثل في أمريكا وإسرائيل.
جل المناطق العربية التي تعاني أزمات ما يعرف بالربيع العربي تعاني التقسيم والتشرذم، فهي منقسمة إلى مناطق تسيطر عليها قوى أجنبية وميليشيات محلية، وليبيا والعراق خير دليل لواقع معاش صنعه الأجنبي، بالإضافة إلى الحكم بالوكالة الذي تدعمه قوى إقليمية ودولية وطوائف وفصائل متناحرة مثلما يحدث في لبنان.
الأزمة العربية السياسية اليوم ستحدد مستقبل الملايين من سكان المنطقة حتى الدول التي تعتقد أنها تعيش بحبوحة سياسية واقتصادية لن تنجو أمام هذا السيل الاستعماري الهادر الذي لن يرحم حتى المنبطحين من حكامها.. فسايكس بيكو تلوح في الأفق بثوب أكثر اتساعا.