مقالات الرأي

رسم خرائط الدم من غيرترود بيل إلى برنارد لويس – الجزء الثاني

بقلم/ محمد عبد القادر

ليس غريبًا أن يكون الإنجليز هم أسياد رسم الخرائط في الوطن العربي والشرق عموما، فالخريطة الأولى التي أُطلق عليها خريطة سايكس بيكو قامت برسمها وإعدادها على الأرض المستشرقة الإنجليزية “غيترود بيل” أو كما سمَّاها العراقيون” الخاتون” أو كما سمَّاها بعض أمراء الجزيرة العربية التي صنعت لهم إمارات وممالك، بـ “أم المؤمنين” أو كما سمَّاها الإنجليز صانعة الملوك، ثم عملت بعد ذلك مستشارًا للملك فيصل الأول ملك العراق، بل هي من صنعته ملكًا، فهي صانعة سياسة ومستشارة المعتمد البريطاني في الخليج بيرسي كوكس وصاحبة معرفة واسعة بالمنطقة، وتمتلك علاقات وثيقة بالعشائر العربية، ثم تعرفت على الجاسوس توماس إدوارد لورنس (المعروف بلورنس العرب)، حيث عملا معًا في مكتب الشرق للمخابرات البريطاني الذي مقره في القاهرة والذي تخفَّى كعالم آثار مثلها وباحث انتر بولوجي وهو في الحقيقة خبير في صنع الخرائط، حيث وضعا خريطة جديدة للوطن العربي فصلت على قياس المصالح الاستراتيجية البريطانية، وكان ذلك خلال الربع الأول من القرن العشرين بما يكفل إعادة ترتيب الأوضاع بتقاسم إرث الدولة العثمانية بين بريطانيا وفرنسا لأنهما القوتان الأعظم حين ذاك.

يتم وضع خريطة سايكس بيكو هنا

هل صدفة أن تكون “غير ترود بيل” وحبيبها لورنس والبرفُسور برنارد لويس، بالرغم من أن لويس ولد عام 1916، بل وعمل الثلاثة في المخابرات البريطانية! ولو أن برنارد لويس تجنس فيما بعد بالجنسية الأمريكية، فقد انتقل مركز الثقل الغربي وكل الملفات العالقة من بريطانيا إلى أمريكا الوريث الوحيد للإمبراطورية البريطانية والقيادة الجديدة، وقد أَكَّد على ذلك ضابط المخابرات الأمريكي الذي نظم كل الانقلابات في سوريا في فترة الخمسينيات “مايلز كوبلاد “في كتابه لعبة الأمم الشهير” أن بريطانيا قد سلَّمت قيادة الحلف الغربي وملفاته إلى أمريكا بسبب خروج بريطانيا من الحرب العالمية الثانية منهكة القوى بينما أمريكا تصدرت المشهد في زعامة العالم الحر بخروجها منتصرة في الحرب مع احتفاظها بقوتها، بل ازدادت قوة بتسلمها لأماكن النفوذ البريطاني لإدارتها.

كنا قد تناولنا التقسيم الأول لوطننا العربي في القرن العشرين الذي تم بفعل الإمبراطورية البريطانية، والذي عنوناه باسم المهندس الفعلي لخرائط التقسيم وهي “جيرترود بيل”.

برنارد لويس وخرائط التقسيم الثاني

يعتبر الرئيس اليميني الجمهوري رونالد ريغان الحاضن الرئيس لليمينيين الجمهوريين الإنجيليين الجدد الذين استطاعوا السيطرة التامة على صنع السياسة بداية من عهد بوش الأب واحتلال الخليج حتى بلوغ قمة قوتهم في فترة رئاسة بوش الابن حيث تواجد ثلاثة من أبرز صقورهم وهم: دك تشيني نائب بوش الابن ووزير الدفاع رامسفلد ونائبه بول دونديس وولفويتز هذا هو عالم سياسة ودبلوماسي أمريكي وعميد كلية بول إتش نيتز للدراسات الدولية المتقدمة (SAIS) وخلال هذه الخلفية ظهر تأثير المستشرق الدكتور برنارد لويس.

من هو برنارد لويس؟

ولد لويس في لندن لعائلة يهودية ودرس في أعرق الجامعات البريطانية وأصبح أستاذا مساعدا للدراسات الإسلامية في كلية الدراسات الشرقية، وهذه هي الأكاديمية التي تخرجت منها غيرترود بيل صانعة الخرائط الأولى كما أشرنا، ولورنس وأغلب المختصين في تاريخ الشرق الأوسط، وفي عام 1938 وخلال الحرب العالمية الثانية عمل في الاستخبارات البريطانية في الشرق الأوسط، وقد أصدر العديد من الدراسات المميزة وكان من الكتاب المفضلين لرئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير وعدد من الشخصيات السياسية الإنجليزية والأمريكية، بل إن عددا من تلاميذه أصبحوا صناع سياسة.

يقول السياسي الأمريكي ريتشارد بيرل: “إن برنارد لويس كان أكثرَ المثقفين تأثيرا فيما يتعلق بإدارة النزاع بين الإسلام الراديكالي والغرب وكان هنري كيسنغر يرجع له”.

وقد أطلق البعض على رسالة لويس اسم “مذهب لويس” Lewis Doctrine، وعرَّفت صحيفة وول ستريت جورنال وهي توصف عادة بأنها وثيقة الصلة بمراكز صنع السياسة الأمريكية، عرَّفت نظرية لويس بـ “بمشروع زرع الديمقراطية في دول الشرق الأوسط الفاشلة للقضاء على الإرهاب”.

وهنا نقتبس نصًا من مقالةٍ للكاتب اليمني محمد جميح نُشرت بصحيفة القدس العربي، بتاريخ الأربعاء11 ديسمبر 2024 يقول: “كان مبدأ إضعاف منطقة الشرق الأوسط بتقسيمها إلى مكوناتها العرقية والدينية والسياسية، وضرب تلك المكونات ببعضها، كان ذلك – قديمًا ولا يزال – وسيلة الغزاة من الشرق والغرب، للسيطرة على المنطقة التي لا تزال تعاني من السياسات الدولية الهادفة إلى السيطرة عليها”.

زر الذهاب إلى الأعلى