مقالات الرأي

الحرة تزرب بيتها

بقلم/ ناجي إبراهيم

في علم الإدارة توجد قاعدة تقول: (المدير الناجح هو الذي يوجد عشرة حلول لمشكلة واحدة)، فالإدارة بالتجربة والخطأ باتت من أرث الماضي الذي أوصلنا إلى الإدارة بالعلم وفق (النظرية العلمية للإدارة) والتي قد يتجاوزها الزمن نتيجة للتراكم المعرفي والتجارب الإنسانية.

إن تكرار الأدوات نفسها والأساليب التي ثبت فشلها هو مراكمة للأزمة إذا نظرنا إليها بحسن نية بعيدا عن النوايا المبيتة فقط لمجرد التقاط الصور وإصدار بيانات الثناء والشكر والإعلان عن ضرورة الخروج من الأزمة دون وضع الآليات للخروج منها، لا أحد ينكر وجود مشكلات نتجت عن تفكيك الدولة في ليبيا منذ 2011 ولا أحد لا يدرك أن التدخل الخارجي فاقم المشكلة، وولد منها مشاكل شملت كل شيء، والجميع يتمنون ويطلبون الخروج من هذا الوضع الذي يهدد البنيان المجتمعي برمته ويضع وحدته أمام امتحان عسير.

شبح التقسيم يلوح في الأفق ويطبخ على مهل، يكفي أن نسمع أصواتًا تجهر به ومنظمات تحت شعارات حرية الرأي والتعبير تدعو ليل نهار لتطبيقه في الجغرافيا بالبحث في التاريخ الاستعماري لاعتباره أساسا يمكن البناء عليه ويتم ترسيخه قانونيًا من خلال المحاصصة الوظيفية في هرم المؤسسات السياسية وبرعاية المبعوثين والسفراء وبتواطؤ من الممسكين بالسلطة خدمة لمصالحهم الشخصية وانتماءاتهم القبلية والاجتماعية، ووجود جماعات مرتبطة بقوى إقليمية ودولية يرسخ هذا المسار الذي سينتهي إلى ضرب الوحدة الوطنية.

كل تلك المتناقضات اجتمعت في بوزنيقة تحت رعاية وحماية المخابرات الأمريكية وأعادت إنتاج نفس المسارات التي جربنا نتائجها منذ حكومة الوفاق في الصخيرات وكانت أول مسمار في جسد الوحدة الوطنية وانتهت إلى حرب طاحنة مهدت لرسم خط سرت الجفرة، وجاءت جنيف تحت عناوين وطنية أيضًا وجزرة الانتخابات لتجديد الشرعيات للأجسام التي تآكلت شرعياتها، وفشلت هذه الحكومة التي حملت عنوان (الوحدة الوطنية) في الحفاظ حتى على وحدة الحكومة، وتراجعت عن وعودها بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تنهي كل الأجسام التي فقدت شرعيتها وأعلنت القوة القاهرة للهروب من الاستحقاقات التي حملت بها في حوارات جنيف، وأعطت بظهرها لقرارات الجسم المنتخب الوحيد، وضربت قراره بسحب الثقة عرض الحائط، وبتنا أمام حكومتين حكومة مسنودة بشرعية محلية لا يتعامل معها العالم، وحكومة فاقدة للشرعية تلقى تأييدا ودعما من الخارج، وعدنا إلى الوضع الذي كنا فيه قبل 2021، ولم ينتبه أحد إلى المخطط الذي يقوده المبعوثون والسفارات الدولية والإقليمية لتثبيت وضع قائم لينتهي إلى التقسيم وفقًا للخريطة التي رسمتها نتائج الحرب العالمية الثانية.

اجتماع بوزنيقة هو أيضا ترسيخ لانقسام عبرت عنه أطرافه لم يعكسها البيان الذي هو إعادة لبيانات مكررة وسابقة، بل ظهر في جغرافيا المكان الذي عكس عدم قدرة على عقد اجتماع في داخل المدن الليبية وعبر عن عجزهم في إنتاج حل ليبي ليبي بعيدًا عن الحلول التي تأتي بها حقائب الخارج، يتثاقلون في عقد اجتماع في الداخل بدعوة من أطراف داخلية ويهرعون لأي دعوة للقاء في الخارج حتى لو كان لا يحمل أي عنوان، وكيف ننتظر من مثل هؤلاء أن ينتجوا حلا لمشكلة تعمقت مع الزمن وبفعل التدخلات الخارجية؟

ما نتج عن اجتماع بوزنيقة هو تكرار لمخرجات أنتجتها اجتماعات بوزنيقة السابقة والقاهرة وربما تونس وكل تلك اللقاءات ستضيف عبئا إضافيا لما يسمى الإعلان الدستوري المثقل بالتعديلات وسيغرق الأطراف الليبية في تفسيرات متقاطعة ومتوازية لن تقربنا من نهاية لأي مسار، بل ستعمق الهوة بين اللجان التي كلفت بمناقشتها وستخلق تفسيرات متعارضة وستفتح أبوابا للشكوك في النصوص والنوايا، وأحد من الأطراف التي تتحاور في الخارج تنبه إلى أن (طول السلك يودر الأبرة) وقد يكون تقطيع الوقت وخلق الآليات والآليات المضادة هو سعي من الخارج لإغراقنا في الفشل والابتعاد عن الحلول وهي سهلة لإطالة عمره في الإمساك بمفاتيح الحلول لغايات وأهداف لن تكون لمصلحتنا وبالتأكيد ستخدم مصالح الخارج، في كل المرات السابقة لم تقدم لنا اللقاءات التي يرعاها الخارج أي مسار شكل حبل نجاة ويساهم في وضع حد للانهيار الذي يشهده الوضع السياسي الليبي والذي انعكس على مناحي حياة المواطن الاقتصادية والاجتماعية بل فاقمها وعمقها وشكل التدخل الخارجي بوابة كبيرة للفساد ونهب الثروات، وعليه، فحلول الخارج التي جربناها لن تخدم إلا مصالحه ومشاريعه في المنطقة، علينا أن نجرب حلولنا وبعيدا عن تدخلات الخارج ولنا القدرة ونمتلك من الخبرات والرجال ما يمكننا من ذلك (الحرة تزرب بيتها).

زر الذهاب إلى الأعلى