الوجود الفلسطيني في سوريا بعيدًا عن كل التناقضات
بقلم/ محمد علوش
عشنا الأسبوع الماضي أحداثًا لم تكن متوقعة، حيث أفضت التطورات الميدانية والسياسية المتسارعة التي شهدتها سوريا، إلى انهيار كلي للنظام السياسي القائم بقيادة “حزب البعث” بعد سيطرة أطراف المعارضة والفصائل المسلحة بقيادة “هيئة تحرير الشام” على العاصمة دمشق وإحكام سيطرتها شبه الكاملة على المدن والمحافظات الأخرى.
وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه المنطقة حروبًا وصراعات، تلقي بظلالها الثقيلة على كافة بلدان وشعوب المنطقة، وهي تطورات مفتوحة على مختلف الاحتمالات وقد تنذر بعضها بمخاطر تمتد إلى المستقبل، وإذا كان لا يمكن الزعم أن التغيير الذي حصل في سوريا كان بمعزل عن تدخلات خارجية وأجندات قوى إقليمية وعالمية، فإن ذلك يعني أن سوريا ليست بمأمن بعد، خاصة مع وجود القوى المتطرفة التي تتبنى عقيدة الإرهاب، وأطماع ومصالح دول مجاورة لها، ومخططات إسرائيل العدوانية والتوسعية التي كشفت عنها باحتلال المنطقة العازلة وشن غارات على مواقع في الداخل السوري ما يؤكد نوايا إسرائيل التوسعية والإحلالية لتنفيذ مشروعها المعنون بالشرق الأوسط الجديد.
لا بد لنا من التأكيد على احترام حق الشعب السوري الشقيق في تقرير مصيره ومستقبله عبر خياراته الحرّة، وإرساء دعائمه القوية لبناء نظام الحكم وفق الديمقراطية التعددية تكريسًا للهوية والمواطنة الفاعلة ودولة القانون والمساواة والعدالة الاجتماعية، عبر اعتماد نهج الحوار الوطني الشامل وتنفيذ بنود قرار مجلس الأمن رقم 2254، والتزام كافة القوى والدول باحترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقلالها، وأن تعمل الأطراف الإقليمية والدولية المختلفة وإلى جانب الأمم المتحدة على ضمان ذلك، وأن تلزم إسرائيل باحترام اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974 ووقف اعتداءاتها المتكررة على الأراضي السورية والشعب السوري ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
وفيما يتعلق بنا كفلسطينيين، فإن الوجود الفلسطيني في الساحة السورية يجب أن لا يكون جزءًا من الأحداث المتسارعة، وهذا ما يدعونا إلى لالتزام بسياسة النأي بالنفس والحياد الإيجابي، وعدم تكرار أي شكل من الأخطاء السابقة من قبل بعض الأطراف التي زجت بنفسها لحسابات غبية مع طرف ضد آخر، ومن هنا نرحب بقرار قادة القوى والفصائل الفلسطينية المتواجدة في سوريا، بتشكيل “هيئة العمل الوطني الفلسطيني المشترك”، كمرجعية وطنية فلسطينية موحدة، تعزيزًا لتمثيلنا الفلسطيني تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وعبر السفارة الفلسطينية في دمشق، لحماية الذات الوجودية الفلسطينية في سوريا كقضية وطنية بامتياز، وذلك لقطع الطريق على أي طرف أو جهة تحاول العبث بتلك المعادلة، تحت أي شعار أو ذريعة كانت، فالفصائل الفلسطينية بكافة ألوان طيفها مجددا تقف إلى جانب الشعب السوري الشقيق لتحقيق إرادته الوطنية وحقه في تقرير مصيره، وبناء دولته الوطنية المستقلة على كامل التراب الوطني السوري، وتعمل بإرادة مبدئية وثابتة من أجل تعزيز أواصر الأخوة بين الشعبين السوري والفلسطيني، والتلاقي في المصير المشترك لمواجهة العدو الواحد في سوريا وفلسطين، الذي لم يكف عن ارتكاب جرائمه النكراء ضد شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية، حيث يتواصل العدوان الإسرائيلي على سوريا وانتهاك سيادتها الوطنية، وهو ما يكشف حجم العداء، وما يؤكد في الوقت ذاته وحدة المصير بين الشعبين الفلسطيني والسوري في مواجهة العدو الواحد.
نحن على ثقة بقدرة الشعب السوري وقواه الوطنية الحيّة على تجاوز كل التحديات والنجاح في إنجاز الترتيبات الداخلية والحفاظ على الاستقرار وانتقال السلطة بشكل ديمقراطي وبناء سوريا الجديدة والديمقراطية والتي لن تكون إلّا سندًا لآمال وتطلعات كافة السوريين.
الوجود الفلسطيني في سوريا هو وجود مؤقت في محطة مؤقتة على طريق العودة، ولطالما كان الوجود الفلسطيني له رمزيته في كافة محطات النضال الوطني الفلسطيني، والفلسطينيون في سوريا ارتبطوا ارتباطًا عضويًا بأشقائهم السوريين، وهو ما مثّل دائمًا القضية المركزية التي لا يجب التلاعب بها، أو العبث بها تحت أية شعارات لا تخدم مصلحة شعبنا الفلسطيني، ومن الأهمية والحكمة أن نحافظ على وجودنا الفلسطيني والعلاقات المتينة مع الأشقاء السوريين وبما يكرس الحياد وإبعاد المخيمات الفلسطينية والساحة الفلسطينية السورية عن كافة التباينات والأحداث والحرص على الاستقرار وسرعة التعافي لتنهض سوريا بمهمة البناء وترسيخ مكانتها التي تليق بشعبها الذي يستحق الحياة والحرية والديمقراطية، ونضم صوتنا الى جانب كل أحرار سوريا وعيونهم تصبو لسوريا المستقبل بأن تكون حرة، وديمقراطية، وأن تكون موحدة أرضًا وشعبًا، تجري فيها عملية تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة ومتوازنة تؤسس للعدالة التي ينشدها كل السوريات والسوريين.