مقالات الرأي

النتائج الاستراتيجية للعدوان الرباعي على سوريا بين الرابحين والخاسرين والمستهدفين والمضحوك عليهم

بقلم/ محمد جبريل العرفي

قام بالعدوان أمريكا وتركيا والكيان وجماعة الإخوان، بتضليل غيب الوعي وشل المقاومة.

الجماهير المجيشة تسقط الأنظمة القوية، فالثورة الإيرانية انتصرت رغم طغيان الشاه، والاتحاد السوفيتي انهار رغم قوة (الكي جي بي) وحلف وارسو.

المثقف يقود المقاومة الثقافية، فلا تسيره عواطفه أو فضولية الروايات، ولا يُخدع بالظاهر، بقدر التحليل والاستشراف، يحافظ على توازنه النفسي؛ لأن إحباط المثقفين يشل مفعولهم، فتضعف مناعة المجتمع، فيدخل فيروس التضليل ليصنع عقله فيشكل سلوكه، ولو ضد مصلحته.

ما حدث بسوريا إحدى دورات التاريخ في الصراع بين المعتدين وأصحاب الأرض، ليس أسوأ من هزيمة اُحد أو مما فعله المغول والتتار والاحتلال الأوروبي، أو نكسة 67، أو احتلال بيروت 1982 أو العراق 2003 أو ليبيا 2011. بعد ذلك فُتحت مكة، وبقيت الأمة بعد التتار، وطردنا المحتل الغربي، وعبرنا (بارليف)، وطردنا الصهاينة من لبنان 2006 وأفشلنا مشروع المحتل في العراق وقريبا ليبيا.
على المستوى الاستراتيجي لم يربح أو يخسر بالمطلق أي طرف، فكل حقق مكاسب وتكبد خسائر.

  • أول الرابحين أمريكا: بتطويق عدوها الاقتصادي الصين، بتفتيت حليفها إيران بخلق دولة كردية في سوريا، وشرعنة دولة كردية في العراق، لإثارة الشعور القومي للأكراد.
  • المضحوك عليهم الأتراك: أنصح المتصهينين المروجين لإشاعة إيران والروس تخلوا عن سوريا، أن يقرأوا للمفكر (دوغين) عقل بوتين: “بأن أردوغان ضحكوا عليه فخان روسيا وإيران، وسيدفع الثمن ويندم”، والخامنئي قال: “تركيا مارست الخيانة”. أمريكا، بدعمها النزعة الانفصالية للأكراد، حطمت الحلم العثماني بالتمدد للخليج، كما خسرت تسهيلات إمدادات الطاقة من إيران وروسيا، واستعدت الأنظمة التي يتآمر عليها الإخوان كمصر والسعودية والأردن والإمارات.
  • الرابح/الخاسر الكيان: لأنه نحج في تدمير قدرات دولة عدوة على حدوده وإقامة نظام عميل، والتأسيس لدولة درزية داخل سوريا، لكن مهما تبجح النتن بالانتصار، فسيارات التندرا وعليها ملثم يحمل كلاشينكوف يذكر المستوطنين بطوفان الأقصى، الذي رسّخ في عقولهم أن الكيان زائل، لا يصلح كأرض للميعاد بل الموت، وعالميًا اتضح أن الكيان نظام فصل عنصري منبوذ، الأنظمة العربية بدأت تتجه للشرق، وتتخلى عن دعم المشروع الصهيوأمريكي في التطبيع، فأمريكا حليف غير موثوق، فقد طعنت تركيا العضو بالناتو وشريكتها في غزو العراق وسوريا وليبيا.
  • الرابح/الخاسر المقاومة: بسقوط نظام مساند وقطع خط إمداد حيوي، لكن المقاومة لن تنتهي، فغزة المحاصرة بنت قدرات عجز الكيان طيلة 14 شهرًا عن هزيمتها، وإيران أعلنت الاستمرار في دعمها، وستربح المقاومة انسحابا من لبنان، والوصول إلى صفقة في غزة، بسقف منخفض من الطرفين حفاظا لماء وجه قطر.
  • أحد الخاسرين هي جماعة الإخوان: فمهما غيروا من قيافتهم وخلعوا لباسهم الأفغاني، فلن يغيروا من عقيدتهم أو سلوكهم، فخطاب الجولاني بالحرية الشخصية، مجرد تقية إخوانية للتمكين، فقد شكل حكومة إخوانية، وأطلق عصاباته لاغتيال المختلفين معه في الرأي أو العقيدة ولو كانوا على أسرَّة المستشفيات. سلوك الكيان بعد هروب بشار بأكبر هجمات جوية في تاريخه حطمت أسلحة الطيران والدفاع الجوي والسلاح البري والبحري ومراكز الأبحاث واغتالت العلماء، ينبئ عن عدم ثقة، رغم أن الجولاني زوده بإحداثيات المواقع السرية للجيش، وسهل دخول قوات صهيونية لتدمير باقيها، سيستيقظ الشعب السوري من الصدمة ويلفظ الإخوان كما تم لفظهم من مصر وتونس، وقريبا ليبيا.
  • أحد الخاسرين هي قطر: لأنها استثمرت في مشروع فاشل. فخسرت روسيا وإيران ومصر والسعودية والإمارات.
  • أحد الخاسرين هو شعبنا في سوريا: دُمرت مقدراته العسكرية والاقتصادية والعلمية، وجارً تفتيت أرضه على أسس عرقية وطائفية، ومسح الذاكرة التاريخية المجيدة واستبدالها بذاكرة مظلومية مصطنعة كروايات سجن صيدنايا، وتحريف وطمس نصف قرن تخللته إنجازات وحريات وإخفاقات وظلمات.

سوريا قبل 2011 كانت تصدر القمح والمنسوجات والملابس، وتؤمن مجانية التعليم والصحة، والتموين في متناول الجميع، ومكتفية ذاتيًا من الأطباء والمهندسين والخبراء والعلماء، لكنها واجهت قانون قيصر الظالم، و13 سنة حربا أفقدتها 80% من أراضيها بما فيها حقول النفط والقمح، أكيد الحصار يولد الفساد، والحرب الأهلية تنتج عملاء وخونة ومتخاذلين ما يحتم وجود ردع وسجون وقبضة أمنية.

  • أحد المستهدفين إيران: كحليف محتمل للصين وعدو معلن للكيان، ترتفع أصوات إيرانية تنتقد الصبر الاستراتيجي، وتطالب بالدفاع عن الوجود بضربة استباقية للكيان بالوعد الصادق 3، وزيادة دعم اليمن، أمريكا لا تقوى على حرب شاملة بالمنطقة، خوفا على قواعدها ومنشآتها في غرب أسيا، ووقف إمدادات الطاقة بإغلاق مفاتيحها بهرمز وباب المندب.
  • أحد المستهدفين مصر: لتفتيتها باستهدافها من داخلها وخاصة سيناء، ومن جوارها بخلق أنظمة إخوانية معادية لها بالسودان وليبيا، قد يلعب مدير مكتب (ولدهم) دور الجولاني، وتصبح قاعدة عقبة هي إدلب ينطلق منها العدوان شرقًا وجنوبًا، لكن القوات المسلحة وشركاء مصيرها سيفشلون المخطط، وإذا أصبحت المواجهة الحتمية، نتمنى أن تصطف الجزائر مع تاريخها.
  • أحد المستهدفين الأردن: المهددة بالسقوط بيد الإخوان وترحيل فلسطينيي الضفة إليها.

الخلاصة: رغم الأثمان الباهظة التي دفعناها، فأعداؤنا لم يحققوا نصرًا استراتيجيًا يهدد وجودنا، إن ما حدث دق أجراس الخطر بالأنظمة العربية المستهدفة بتوظيف الإخوان لتوسيع المشروع الصهيوأمريكي، وبإيران وروسيا المهددتين وجوديًا، مما يدفعهم لتشكيل تحالف ينهي العصر الصهيوأمريكي.

زر الذهاب إلى الأعلى