سوريا إلى أين؟
بقلم/ عبدالمجيد قاسم
لا شك أننا لا نتمنى للشعب السوري الشقيق سوى الاستقرار والأمن والازدهار، وأن يتخطى هذا الشعب العريق هذه المرحلة بسلام، وأن تتولى قيادة البلد سلطة شرعية، ليس لها توجهات سوى مصلحة سوريا، ووحدة شعبها.
فسوريا من البلدان التي تلعب دورًا محوريًا في الدفاع عن الأمة العربية لموقعها، ولتاريخها، ولكونها تضم حواضر ذات بعد حضاري تاريخي لهذه الأمة.
ويكفي أن دمشق كانت عاصمة الخلافة الأموية (661م – 750م)، حيث لعبت دورًا محوريًا في تطوير الحضارة الإسلامية في مختلف جوانبها، وقد شهدت المدينة ازدهارًا في فنون العمارة، مثل بناء الجامع الأموي في دمشق، الذي يعتبر من أبرز معالم العمارة الإسلامية، كما كانت دمشق مركزًا ثقافيًا وتجاريًا مهمًا، حيث اختلطت فيها الثقافات المختلفة وتزاوجت الحضارات الهلنستية والفارسية مع الإسلام.
كما أن قادة مثل صلاح الدين الأيوبي، ونور الدين زنكي، والظاهر بيبرس، وعلماء مثل أحمد بن حنبل، وابن تيمية، كلهم نشؤوا في الشام، وكانت لهم بصمتهم في التاريخ الإسلامي.
إذن فلا غرو أن تستهدف سوريا من الطامعين والغازين، ومن أعداء عصرنا وعلى رأسهم الصهيونية العالمية التي ترى في دمشق شوكة يجب كسرها حتى تتمكن من التمدد والتوسع وتنفيذ خطتها.
لذا لا ينبغي بحال فصل ما يحدث اليوم في سوريا عن فكرة المؤامرة التي يقوم بتنفيذها العدو الصهيوني، ويكفي أن ما حدث آل إلى تفكيك الجيش العربي السوري، وتدمير مخازن أسلحته، وتدمير دفاعاته الجوية من قبل سلاح الجو الإسرائيلي وسلاح الجو الأمريكي، وآل إلى توسيع رقعة الاحتلال داخل الأراضي السورية، طبعًا حدث هذا بمجرد انهيار نظام بشار الأسد.
فإذا اطلعنا على تركيبة المعارضة السورية فإننا سنجدها تتكون من فصائل متعددة، وذات خلفيات مختلفة، وأهمها: هيئة تحرير الشام التي كانت تُعرف سابقًا باسم “جبهة النصرة”، وتعد الفصيل الأقوى ضمن هذه الفصائل، وقد تأسست عام 2019، وهي تضم عدة فصائل وألوية عسكرية، مثل “لواء الحق”، “جبهة فتح الشام”، “جبهة أنصار الدين” و”جيش السنة”، وقد مرّت الهيئة بمراحل عديدة، حيث كانت في البداية حليفة لتنظيم “داعش”، ثم انفصلت عنه وأعلنت ولاءها لتنظيم “القاعدة” قبل أن تنفصل عن الآخر، وهذه الهيئة يتزعّمها أبو محمد الجولاني، وقدّر عدد عناصرها في تقارير مختلفة، حيث ذكر تقرير لمجلس الأمن أن العدد يصل إلى 10 آلاف، بينما تشير تقارير أخرى إلى أن العدد يفوق الـ 20 ألف عنصر، وتشير التقارير إلى أنها تمتلك أسلحة متقدمة، من بينها مضادات الدبابات.
ثم تأتي الجبهة الوطنية للتحرير في المرتبة الثانية، تأسست في عام 2018، وهي تحالف لفصائل عدة كانت تنتمي سابقًا إلى الجيش السوري الحر، مثل “جبهة تحرير سوريا”، “ألوية صقور الشام”، “تجمع دمشق” و”كتائب نور الدين زنكي”، وتعد الجبهة الوطنية للتحرير من الفصائل الكبيرة في المنطقة.
ثم حركة أحرار الشام: وهي فصيل إسلامي مسلّح تأسس مع بداية الحرب السورية، ويتركّز في شمال سوريا، خاصة في حلب وإدلب، وقد خاضت الحركة معارك عدة ضد الجيش السوري، منها معركة الرقّة.
ثم الجيش الوطني السوري، وهو تحالف من فصائل كانت جزءًا من الجيش السوري الحر، وهو مدعوم بشكل كبير من تركيا التي قدمت له الأسلحة والذخائر والمال والتدريب.
وأخيرًا جيش العزّة، وهو فصيل من فصائل الجيش السوري الحر، ينشط في شمال سوريا، تحديدًا في شمال ريف حماة واللاذقية، وقد بدأ هذا المكون تحت مسمى “لواء شهداء اللطامنة” في بداية عام 2012، ليصبح لاحقًا تجمع العزّة في 2013، ثم تحول إلى جيش العزّة في نهاية عام 2015.
إذن نحن أمام مجموعات مسلحة لا تخضع في حقيقتها لإمرة واحدة، وما نراه الآن من تعاون بينها هو تعاون مؤقت قد يزول بعد انتهاء فترة “الرومانسية الثورية”، ليحل محلها التنافس فالتناحر على شرعية قيادة البلد، لتتحول سوريا إلى أفغانستان ثانية، وهذا ما لا نتمناه. ختامًا أقول: أتمنى لسوريا وشعبها الاستقرار، برغم أن الصورة الحالية، والتجارب المقارنة قد لا توحي بهذا الاستقرار، بل قد يوحي المشهد السوري بأن ما تنتظره سوريا أشد وأخطر مما حدث في غيرها، وهذا ما لا نتمناه لها.