مقالات الرأي

رسم خرائط الدم من غيرترود بيل إلى برنارد لويس”1″

بقلم/ محمد عبدالقادر

دائمًا ومن خلال الدراسة والمتابعة الدقيقة يدرك الخبراء والمتابعون الواعون أن هناك خلفيات ودوافع حقيقية للحدث ــ أي حدث كان ــ فغالبًا ما تكون هناك زوايا خفية لا يجب الكشف عنها.

لذا، يمكننا أن نؤكد أن لأي حدث أسبابًا ظاهرة وأسبابًا ودوافع ومقاصد خفية يحرص الذين يقومون بها على إخفائها، بالقيام بعملية تضليل كبرى لإخفاء المقاصد الحقيقية من وراء إحداث هذا الفعل، وعادة ما تسند هذه العملية لكتيبة الإعلام التي لا تقل أهمية في الحرب أو السياسة أو الأعمال السرية عن دور الجيوش والمنظمات السرية وكل العاملين في مثل هذه المجالات.

وحتى نفهم الخلفيات الحقيقية والمخفية عن الأنظار والعقول لأي حدث وعناصره المهمة جدًا التي تساعد على فهمه وإدراك مغزاه وتفكيك ألغازه لفهم الخلفيات والدوافع الحقيقية الكامنة وراءه لكشفها والبحث عن وسائل مواجهتها وإحباطها أو التخفيف من آثارها، ولأن ذلك كذلك يكون دور وسائل الإعلام سابقًا ومرافقًا ويعقب هدير المدافع وأزيز وقصف الطائرات والصواريخ وحتى الأعمال السرية المتصلة بهذا كله، ومن ضمن مهام الإعلام كذلك الكشف عن ممارسة التضليل الذي تقوم به وسائل إعلام الخصم بمحاولاتها للتحليل والكشف عن هذه الخلفيات أو الدوافع الحقيقية وفق ما يطلقون عليه “ما وراء الحدث” التي هي بالتأكيد يجري تداولها والتخطيط لها والاحتفاظ بأسرارها في زوايا الغرف المغلقة والمظلمة تمامًا، ولا يتم تداولها إلا بين ثلة من المسؤولين وفي نطاق ضيق جدا للمحافظة على سريتها وعدم اكتشاف العدو لها.

ولذلك فالإعلام هو أداة مهمة من أدوات الحرب لصانعي الاستراتيجيات الكبرى للدول والأمم.

إسقاط سوريا أم إسقاط الأسد؟!

تضج وسائل الإعلام الغربية بدءًا من السي إن إن إلى فرنسا 24 إلى كل القنوات الإعلامية الغربية الكبرى وتابعتها من القنوات العربية على رأسها العربية والجزيرة وغيرهما خاصة الخليجية بالذات، بتكثيف الحديث عن بشار الأسد الطاغية وعن فضح “أدواته البشعة” التي كانت تمارس البطش والطغيان والفتك وتضخيمها وشيطنتها إلى المستوى الذي يفوق حتى التصديق لعقل يستخدم أدواته جيدًا ليدرك هذا.

سجن صيدنايا.. الصيد الثمين للإعلام المضلل

بداية يجب أن نسجل أننا نرفض أي ممارسات لاإنسانية مهما كانت مبرراتها، ونرفض رفضًا تامًا المساس بآدمية الإنسان، كما نؤكد على مسؤولية المتهم أو الجاني عن أفعاله التي يلاحقه عليها القانون، هذه قضية حقوقية ومهنية، لكننا لا نختلف مع أي أجهزة في العالم على معاقبة أي مجرم وكل من يلحق بالضرر الجنائي أو الأمني أو أي مخالفات يحاكم عليها القانون وإلا أصبحت الدنيا كلها فوضى، فبيع معلومات للعدو قد تكلف أرواحا كثيرة تذهب غدرًا بسبب خيانة أحد ببيع معلومات، وهذا مكفول في كل القوانين، كما أنه قد يسبب ضياع وطن، وبخاصة أنه منذ تكوين الكيان الصهيوني وكل البلاد العربية في حالة حرب دائمة بمختلف الوسائل.

لكننا هنا يحق لنا أن نتساءل هل التناول الإعلامي الذي تم ولا يزال، لسجن صيدنايا عمل إعلامي روتيني معتاد لكل تلك الوسائل الإعلامية من حيث الحجم والوسائل المستخدمة وكثافتها وتوزيع الأدوار بينها والزمن الذي منح لها والضجة التي رافقتها وحجم التضخيم الواضح وحشى الشهادات وتقديمها بعد أن يتم إعدادها في الغرف الخلفية، أم أنه قصد من ورائها التضخيم والتضليل وصنع أحاديث وقصص جرى صناعة بعضها باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وإعادة إنتاج مشاهد وأفلام تعد بتقنيات عالية يمتلكها الإعلام الغربي وتبعه العربي بقصد التضليل لإخفاء المقاصد الحقيقية من إسقاط الدولة السورية وتقسيمها وتكوين دويلات صغيرة تقتسم فيها النفوذ والسيطرة بين تركيا والكيان الصهيوني وإعادة التموضع بينها.

فسجن أو مسلخ صيدنايا كما تحب تسميته أو إظهاره قنوات الإعلام الغربي والعربي خاصة الخليجي التي تستهدف التشويش على المتابعين لها وتعطيل قدراتهم على البحث والتدقيق وفهم المقاصد واكتشاف الأهداف الحقيقة وراء ما حدث في سوريا.. فإنتاج عقلية القطيع للاستمرار في تحقيق الأهداف لا شك أبدًا أن ما يحدث من ضخ دعائي إعلامي كبير وباستخدام الوسائط المتعددة والمهيمنة على صناعة الخبر ومواد الإعلام وذلك لخلق مناخ طاغٍ يصنع عقلية القطيع الذي يسير خلف الدعاية المضللة مسلِّمًا عقله وعواطفه ونمط تفكيره لهذه الحرب الإعلامية واستمراره في السير في المسار الذي صنعته له الوسائل الإعلامية لدرجة أنه يقوم بمهام وأدوار قد تهدد أمن بلده وأمن شعبه بدون أن يدرك ما يفعله بسبب التصليل وضخ المعلومات المفبركة التي تستهدف الإيهام والتضليل والإخفاء للتعمية عن الأهداف الحقيقية بخلق أهدافٍ وهمية وصنع أحداث وحوادث يجري تركيز الضوء عليها بقوة لكي لا يدرك المتابع لمثل هذا الإعلام لماذا حدث هذا الحدث؟!!!

فهل وسائل الإعلام هذه تقوم بدورها المهني بأخلاقيات مهنية وبمعايير مستقلة عن مالكيها، يهمها تقديم الخبر كما هو وتحمل التكاليف التي تصل إلى مليارات من الأموال بقصد أداء دورها المهني أم أنها مملوكة لدول ولقوى ومؤسسات وشركات متعددة للجنسيات توظف هذه الوسائل في تحقيق مكاسبها من وراء هذه الحروب بفعل الهيمنة والاحتلال وإعادة التموضع في العالم وفق مصالحها.

وللتدليل على ذلك رأينا كيف تناولت هذه الوسائل حرب الإبادة في غزة الواضحة والمكشوفة والمقززة وغير المبررة ولم نر بالمتابعة الدقيقة أي دور للإعلام الغربي وتبعه العربي في كشف حجم الدمار وحجم القتل وآلته الجهنمية وبكل قسوة، الأمر الذي يجعلنا نسميها مسلخ غزة وفظائع لبنان وقبلها كان الكثير خلال مسيرة العدوان الوحشي للكيان الصهيوني على مدار قرابة ثمانين سنة متواصلة ومتصلة وبمبررات لا تصمد حتى أمام السؤال العادي، وليس لأن الصهيونية والغرب المسؤول أساسا عن جرائم ضد البشرية موزعة على طول خريطة العالم، وغزة شاهدة على الطاغية النتن ياهو وبايدن وكل العالم يتفرج، فإذا كان صيدنايا رهيبا وظلاميا ومسلخا فماذا نسمي سجن غزة الكبير الذي يعد مسلخا كبيرا لقتل 2 مليون فلسطيني بدم بارد؟ وماذا نسمي مسلخ أبو غريب؟ وكيف تم التعتيم عليه من قبل هذا الإعلام نفسه وعدم تناوله؟ وماذا نسمى التعتيم عن سجن غوانتانامو الأمريكي وكثير من السجون في العالم بما فيها في دول الخليج التي تمتلك هذه القنوات وتبكي بدموع التماسيح على السوريين؟

ونحن هنا لا نبرر القمع بأي شكل من الأشكال ولذلك استهجنا سجن ومسلخ أبو غريب وغوانتانامو اللذين لا يزالان حيين في أذهاننا.

فالطغيان هو الطغيان والبشاعة هي البشاعة، فعلها بشار أو بوش أو نتن ياهو أو غيرهم، هم كثير لكن الانتقائية تؤكد عدم مهنية وأخلاقية ومعيارية الإعلام الغربي والعربي التابع له.

فما الذي يجعل سجن صيدنايا يختلف عن سجن غوانتانامو الأمريكي وما استخدم فيه من وسائل بشعة لتعذيب السجناء؟ أو بماذا يختلف مسلخ أبو غريب الأمريكي في العراق؟ أين السي إن إن عنهما؟!! أعتقد بمعيار الإنسانية والحقوقية والقانونية هي نفسها لكن لماذا يتم التركيز الإعلامي على هذه ويتم التغافل المقصود عن تلك؟

كل هذه الضجة الإعلامية والتغطية الشاملة ومنذ البداية يتبين أنها جزء من الحرب المعدة سلفًا للتغطية والتمويه عن الهدف الأساسي، وهو تنفيذ مشروع إعادة رسم الخرائط في المنطقة العربية ليتم تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، أي إعادة تقسيم خرائط سايكس بيكو في بدايات القرن العشرين، ثم هؤلاء الثوار أين كانوا كل هذه المدة؟ وكيف أعيدت لهم الروح؟ وكيف امتلكوا هذه القوة الجبارة الهائلة التي أسقطت كل تلك القوى التي كانت أمامهم في سوريا؟ ما الذي حدث؟ وكيف حدث؟ وما صورة الظل التي لا تتناولها وسائل الإعلام التي تغطي الموضوع لغرض في نفس يعقوب؟!!

زر الذهاب إلى الأعلى