دور التحكيم في إدارة أزمة الحقول النفطية المشتركة
بقلم/ غادة الصيد
الحقول النفطية الحدودية، الحقول النفطية العابرة للحدود، الحقول النفطية المحاذية لها، الحقول النفطية المخترقة لها، الحقول النفطية المتداخلة، كلها، مسميات للحقول النفطية المشتركة، ويقصد بالحقول النفطية المشتركة تلك الحدود التي يكون لها امتداد عبر حدود دولتين أو أكثر، فيبدأ من الدولة س، ويمر عبر الدولة ص، وقد يكون متمركزا في إحدى الدولتين ومخترقا في جانب منه لحدود الدولة الأخرى أو الدول الأخرى، فهي عبارة عن امتدادات جيولوجيا عابرة للحدود، حيث يمتد إنتاجها أو مخزونها عبر حدود الدولتين، مع اختلاف نسب الإنتاج والمخزون من حقل إلى آخر ومن دولة إلى أخرى بحسب طبيعة تكوين الحقل، والأرض وارتفاعها وانخفاضها، وطريقة استغلال الحقل واستثماره من حيث الحفر والتنقيب والاستخراج.
تتميز الحقول النفطية المشتركة بأنها حقول عملاقة من حيث الإنتاج والمخزون، وعابرة للحدود بين دولتين أو أكثر، كما أنها تحتاج إلى اتفاق بين الأطراف المشتركة لاستغلالها واستثمارها وتطويرها، من أجل المحافظة عليها وعلى ديمومتها لأطول فترة ممكنة، كما أنه لا يمكن لأي طرف أن ينفرد بالاستفادة منها ما لم يرض الطرف الآخر ووفقا لاتفاقات خاصة ثنائية أو جماعية، حيث يتم التأكيد فيها على المساواة في الاستفادة من النفط المنتج.
ولما كانت العقود النفطية هي الآلية التي يتم من خلالها استغلال هذه الثروات واستثمارها، فلا بد من إعطاء هذا الموضوع الاهتمام اللازم، لاسيما أن هذه العقود قد ترافقها العديد والكثير من الإشكاليات والنزاعات التي لها أبعاد سياسية، قانونية، واقتصادية، سواء فيما يتعلق بعملية استغلال وإدارة وتطوير الحقول النفطية أو طبيعة الحقول النفطية المستكشفة منها أو حتى غير المستكشفة والمنتجة، والنزاعات هنا نتعلق بعائدية الحقول النفطية ذاتها وتحديد وترسيم حدودها، ولهذا يجب ابتداء محاولة مع مراعاة المبادئ الحاكمة لهذا النوع من النزاعات ومنها مبدأ توازن المصالح، ومبدأ عدم الإضرار بالغير، ومبدأ الملكية المشتركة للحقل النفطي.
ويعد التحكيم من أهم الوسائل القانونية التي يتم اللجوء إليها، لتسوية المنازعات النفطية التي تثور، بمناسبة العقود النفطية من حيث تفسيرها أو تنفيذها، وقد أكد على ذلك قانون البترول الليبي رقم (25) لسنة 1955، وفي المادة (20) حيث نص على تسوية المنازعات النفطية عن طريق التحكيم، من خلال شرط التحكيم الذي لا يكاد يخلو عقد من العقود النفطية منه كبند رئيس ضمن بنودها، ورغم ذلك يعتبر شرط التحكيم مستقلا تماما عن العقد ويبقي قائما رغم انقضاء العقد ببطلان أو الإلغاء أو الفسخ فإن ذلك لا يؤثر في الرجوع إلى قضاء التحكيم.
حيث يعد هذا الشرط من أهم صور الاتفاق المسبق باللجوء إلى التحكيم، وقد استمد اسمه من أنه يأخذ في العمل صورة شرط من شروط العقد الأصلي، فشرط التحكيم هو تحكيم إجباري فهو يواجه نزاعا محتملا لم ينشأ بعد وقد لا ينشأ، وفي حالة عدم الاتفاق المسبق على شرط التحكيم، يتم الاتفاق في حالة وقوع نزاع على مشارطة التحكيم وهو اتفاق لاحق على النزاع، كما أن هناك نوعا آخر يضاف للشرط والمشارطة، وهو التحكيم بالإحالة وهو صورة جديدة من صور اتفاق التحكيم، أساس عمله يتمثل إذا أحال الأطراف إلى وثيقة أو عقد يتضمن شرط التحكيم بصور واضحة أصبح هذا الشرط جزءا من العقد، وإذا عدلت الوثيقة أو العقد المحال إليه فإن أي تعديل للوثيقة المحال إليها يطرأ بعد الإحالة لا يكون له أي أثر على خضوع الأطراف للتحكيم.