ما بعد الشام!
بقلم/ مصطفى الزائدي
لا شك أن دمشق لن تكون آخر عاصمة عربية تسقط بيد القوى المعادية للأمة حتى وإن كان ذلك السقوط تم بذريعة تحريرها، فهي وإن كانت العاصمة العربية السابعة التي سقطت ورغم تعرضها بشكل مستمر للعدوان الصهيوني دون رد ليست سوى محطة من المحطات التي يجتاحها العدو بشكل ممنهج، فقبلها سقطت مقديشيو وبغداد وطرابلس وبيروت وصنعاء والخرطوم، وقد يجد العملاء ما يبررون به ما وقع ويروجون له كعمل شعبي داخلي ناتج عن فشل وفساد منظومة الحكم وانعدام الديمقراطية وما إليها من الشعارات التي ترفع، كما سيجدون كما هائلا من المشاهد المصورة والأفلام المنتشرة حول العالم ليستخدموها للتدليل على قمع النظام وقسوته وفساد الحكم، كأن يأتوا بصورة من متحف في فيتنام أو صور من بعض الأفلام الهوليودية أو مشاهد مفبركة بشكل مفضوح ليغووا الناظرين والمتابعين لكن ذلك لن يغطي على الحقيقة، فالسبب ليس فساد النظام لوجود أنظمة بالمنطقة أكثر فسادا وأشد قمعا وأكثر إجراما، بل السبب تأمين الكيان المغتصب بإضعاف الأمة وضرب مكامن القوة فيها، وهي مسألة وقت لن يطول لتعي الجموع المغفلة الغافلة وتعرف حجم الكمين الذي وضعت فيه، لكن سيتحقق ذلك بعد فوات الأوان.
مشاهد الفرح المزيفة التي تنتشر عبر الشاشات ومنصات التواصل عن سقوط دمشق بدعوى تحريرها لن تغير من الواقع شيئا، وسيكون لسقوط دمشق آثار مدمرة على الشعب السوري لأمد طويل، يتأكد ذلك بنظرة على ما حدث قبل عدة عقود في الصومال وما جرى في بغداد وطرابلس حيث الفوضى سيدة الموقف والعبث الأجنبي بالدولة ومواردها هو الواقع على الأرض.
لا شك إن للأنظمة ممارسات خاطئة مهما كانت دوافعها ومبرراتها، لكن الأنظمة الوطنية الجمهورية وربما ما فيها من ممارسات خاطئة أقل بكثير من حيث الحجم والنوع مما تشهده الممالك والإمارات من طغيان وقهر للناس، لذلك من المشروع طرح السؤال البديهي: لماذا تحدث هذه التغيرات فقط في الجمهوريات الوطنية العربية ولم تحدث في سواها من أنظمة معروفة بالقمع؟ ولماذا كل التغييرات تتم برعاية معلنة وصريحة من الغرب الاستعماري والكيان الصهيوني المعادي؟
ولماذا حالة بغداد وطرابلس دمشق صاحب ما سمي التغيرات الشعبية تدخل عسكري غربي مباشر لتدمير الجيوش في العراق وليبيا والآن يدمرون بشكل ممنهج مقدرات الجيش العربي السوري؟ كما حلت الجيوش في العراق وسوريا وليبيا واستبدلت بمجموعات مسلحة حصلت على الدعم والتمويل من الراعي الغربي الذي مكنها من السيطرة على العواصم وإدارتها لمصلحة المستعمر السابق والعدو الصهيوني، ولولا أن بعضا من رجال صادقين في ليبيا نجحوا في إعادة بناء جزء من الجيش الليبي في جزء من الوطن الليبي لكان الحال أبشع مما هو عليه اليوم.
السؤال الثاني الذي يطرح نفسه: ها وقد سقطت دمشق وليس لدينا الكثير لنفعله وإن كان لدينا الكثير لنقوله فكثرت التحليلات عن أسباب السقوط المريع والسريع للنظام السوري، وهل هو ناتج عن تدبير أو توافق دولي ما، أم هو انقلاب عسكري صامت، أم نتيجة حتمية لجبن النظام؟ كل تلك التحليلات لها ما يؤكدها من أرض الواقع، لكن ذلك ليس مهما، وفي تصوري من بين الأشياء الكثيرة التي أدت إلى هذا سقوط النظام، هو حالة الجبن في الفترة الأخيرة، فلو اشترك في معركة طوفان الأقصى التاريخية لما كان ليسقط بهذه الطريقة المذلة له وللأمة، نعم قد ينجح العدو في تصفية رأس النظام وقتل قياداته وتدمير بعض من قدرات الجيش، لكنه لن يتمكن من إسقاط سوريا، والدليل واضح في لبنان فعندما انخرط حزب الله في طوفان الأقصى لم ينجح العدو لشهرين كاملين في التقدم سوى بضع أمتار في الأراضي اللبنانية التي كان يجتاحها في الماضي في لمح البصر، ولقد كان للنظام السوري ما يبرر له الدخول في المعركة، فالعدو لم يتوقف عن شن الغارات المستمرة اليومية تقريبا على الأراضي السورية.
ما زاد من آلامنا وحزننا ما شهدناه من حجم السلاح الذي كان يمتلكه الجيش السوري، يدمره العدو في مخازنه ومنصاته بدون مقاومة.
ومن الأسئلة المهمة: هل سيكتفي الغرب والعدو الصهيوني بإسقاط سوريا لضمان الأمن والاستقرار له، وهو الهدف الأساس لكل العمليات السياسية والعسكرية في المنطقة منذ عام 1948؟ الإجابة القطعية عندي وربما عند الكثيرين بالنفي، فسوريا لوعي شعبها لن تكون على المدى الطويل كما يريد العدو، وقد تتحول من ساحة تضمن أمن شمال الكيان إلى ساحة مقاومة بأشكال أخرى مختلفة، لذلك فمن البديهي القول بغض النظر عن المخططات الغربية التي نشرت منذ سنوات حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن الهدف الثاني قادم وهو مبرمج وواضح بالنسبة إلى العدو، قد تكون عمان والرياض، لأهمية الأردن لتأمين الحدود الشرقية للكيان ولاستعماله كوطن بديل لسكان الضفة، أما الرياض فرغم ارتباط قادتها بالغرب لكن ذلك غير مضمون لعدد سكانها ولكونها تحوي مقدسات المسلمين ولحجم ثرواتها التي قال عنها ترامب إنها أموال سائبة واقعة بأيدي أغبياء.
وأيضا ستكون أعين العدو على الجيش المصري والجزائري باعتبارهما القوة العسكرية الأهم حاليا في المنطقة، وبقاؤهما رغم الترتيبات السياسية والمساحات الجغرافية لا يساعد على بقاء ونمو كيان صهيوني في المنطقة.
لذلك التخوف مشروع من مخاطر زعزعة استقرار مصر والجزائر.