مقالات الرأي

سقوط بغداد ساعة الصفر

بقلم/ ناجي إبراهيم

في تسعينيات القرن الماضي شهدنا تدافعا عربيًا سريعًا وفوريًا لما قالوا عنه دفاعًا عن دولة عربية تتعرض لغزو خارجي عندما اجتاحت القوات العراقية دولة الكويت وأعلنتها المحافظة رقم 19، وحشدت أغلب البلدان العربية جيوشها لدرء الخطر عن بلد عربي عضو في الجامعة العربية في تحالف غير مسبوق مع قوات التحالف الدولي بقيادة شوارزكوف قائد الجيش الأمريكي، رغم أن الدولة التي ستواجه هذا التحالف منفردة هي عربية أيضًا وجيشها عربي مشمول باتفاقية الدفاع العربي المشترك، وفي ذلك الوقت وجدنا المبرر لهذه الجيوش لاعتبارات أخلاقية وربما حتى قانونية لردع الاعتداء على الرغم من أنه فتح بابا للتدخل الخارجي في المنطقة، ومهد لعودة القوات والقواعد الأجنبية لمنطقة الخليج التي لم تغادرها حتى اليوم، وكانت مرتكزا لكل عملياتها العسكرية فيما بعد وكان العراق أول أهدافها عام 2003.

وفي قمة شرم الشيخ 1990 التي عقدت لدراسة تداعيات الأزمة على الأمن القومي العربي صدر قرار عن مجلس الجامعة ولأول مرة بالأغلبية في مخالفة لميثاق الجامعة العربية يعطي الإذن لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام الأراضي العربية في الخليج والجزيرة العربية وبمشاركة عسكرية عربية لمواجهة ما سموه العدوان العراقي وحرب تحرير الكويت، التي ما زلنا نعيش تداعيات هذا التدخل على الأمن القومي العربي، وأسهم في إعادة رسم الخارطة السياسية والجغرافية في منطقتنا، ورأينا تنافسا بين الجيوش العربية التي شاركت في هذه الحرب من يكون في مقدمة القوات البرية، وكانت الجيوش العربية تخوض معارك (بطولية) بدعم جوي غربي يمهد لها بالنيران لتزحف نحو دفاعات الجيش العراقي الذي وجد نفسه منفردًا في مواجهة تحالف دولي لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية.

قد يكون اجتياح الجيش العراقي في وقته خطأ استراتيجيا ولم يحسن قراءة التحول الذي يشهده العالم باتجاه القطبية الأحادية وتراجع الثنائية القطبية التي بدأت في نفس العام بانهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي ولم يضع حسابا لما تمثله المنطقة العربية في المشروع الغربي الاستعماري كونها مركزا مهمًا للنفط والغاز إضافة إلى أهمية توفير الحماية للكيان الصهيوني في الاستراتيجية الأمريكية والغربية وربما كان فخا قد نصبته المخابرات الأمريكية للقيادة العراقية، وربما كان سياسة الإكراه التي وضعت فيها الدولة العراقية التي خرجت مثقلة بالديون من حربها مع إيران التي دامت قرابة عقد من الزمان، وكل تلك القراءات لها وجهاتها وتصلح للتحليل التاريخي، والتقطت القوى الاستعمارية هذه الفرصة واستثمرتها بشكل مزدوج، التواجد العسكري الدائم في منطقة الخليج وتدمير الجيش العراقي لما سيأتي لاحقًا واستكمالا للمشروع الاستعماري الغربي في منطقتنا والعالم.

صفحة العراق طويت وصارت من التاريخ وتحول إلى دولة فاشلة ومقسمة عرقيا وطائفيا بفعل دستور (بريمر)، هل استفاد النظام العربي الرسمي وحتى الشعبي وبخاصة النخب التي أوجدت المبررات لحرب الخليج الثانية من الدرس العراقي وانكشاف خيوط المؤامرة؟

ومرة أخرى الجامعة العربية التي شرعنت تدمير الجيش العراقي تجتمع لتعطي الشرعية لحلف الناتو عام 2011 لتدمير الجيش الليبي وتبارك احتلال دولة عربية أخرى، وها هي اليوم تراقب بصمت تدمير الجيش العربي السوري واحتلال الجولان والمدن المحاذية لخط الهدنة الذي رعتها الأمم المتحدة عقب انتهاء حرب أكتوبر 1973 بين الكيان الصهيوني وسوريا، وتقف عاجزة أمام المذابح التي يرتكبها قطعان الهمج الصهاينة في غزة والضفة الغربية.

العروبة تسقط في سوريا، وجغرافيتها تتعرض للتقسيم، ولن تكون آخر حبات العقد الذي انفرط في بغداد، ولن يتوقف حتى آخر حياته، وكرة الثلج التي تدحرجت من شرق الوطن لن تتوقف حتى تشمل غربه وجنوبه.

سياسة دس الرؤوس في التراب لن توقف المشروع الذي كنتم جزءا منه عندما تناديتم في أكبر حلف لقتال الشعب اليمني الذي لم يعتد على جيرانه وتدخلتم في شأن داخلي يمني/ يمني، وتقاعستم عن رد العدوان الخارجي الذي يدمر بلدا عربيا ويستبيح كل المقدسات ولا يستثني أحدا، والقدرات العسكرية والعلمية التي تتعرض للتدمير هي قدرات عربية كانت يوما ما داعما للأمن القومي العربي وشكلت طيلة عقود رادعا لأطماع الكيان الصهيوني التوراتية التي لن تتوقف إلا عند ملتقى رشيد ودمياط شمال القاهرة وضفاف الفرات الذين نراهم يقتربون منه ويتقدمون بدون مقاومة وسط نشوة (الجماعات الرخيصة) بنصرهم على وطنهم.

لا نعلم من هي الدولة العربية التي تلي سوريا على أجندة المشروع الصهيوني الغربي، وما نستطيع تأكيده هو أن المشروع يستهدف الجميع، ربما تكون مصر هي التالية لأسباب عديدة منها الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي سببتها شروط صندوق النقد الدولي (الذراع الاقتصادي والمالي للمشروع الاستعماري)، الأوضاع الجيوسياسية على حدودها الغربية في ليبيا والجنوبية في السودان وشرقها في محور فيلادلفيا وغزة، والجماعات الرخيصة التي جندتها ودربتها ومولتها المخابرات الأمريكية التي أنهت مهمتها في سوريا وستشكل عبئا على الحكومات الغربية، ويجب أن يتم استخدامها في مناطق أخرى وكل الظروف مواتية لتوطينها في أماكن أخرى لتكون نواة لخلق توترات أمنية تستدعي تدخلهم لتغذيتها والنفخ فيها.

سيناء مهيأة لتكون المحطة القادمة وشمال السودان وجنوب مصر تم إعداده بخلق الصراع السوداني/ السوداني، جنوب وشرق ليبيا قد يشكل تهديدا أمنيا للدولة المصرية التي اعتبر رئيسها أمنه القومي عند خط سرت الجفرة، الجزائر قد تأتي إليها الرياح من جنوبها الأفريقي الذي يتم تجهيزه من قبل المخابرات الفرنسية ليكون ساحة لتفريخ الحركات الإرهابية وقاعدة لتوطين الإرهابيين المتواجدين على الساحة السورية، وبدعم من الوطية (أدلب الليبية) التي تسيطر عليها القوات التركية، كل شيء وارد ومتوقع، صمتكم لن يكون منجاة وعاصما لكم، ساعة الصفر أعلنت يوم سقوط بغداد.

زر الذهاب إلى الأعلى