ملفات وتقارير

“الموقف الليبي” تستطلع آراء نخبة من السياسيين والأساتذة والمهتمين بالشأن الوطني حول تطورات المشهد الليبي

تقرير – عفاف الفرجاني
لا يخفى على المتابع الحالة السياسية في ليبيا وما تمر به من تعثر وانسداد، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية – رغم استمرار إنتاج النفط – وعجز المؤسسات القائمة عن أداء دورها، واستشراء الفساد، بالإضافة إلى الفشل في تشكيل حكومة موحدة وإجراء انتخابات – الأمر الذي بات صعب المنال – في ظل انقسام المجتمع الدولي على نفسه حول الحالة الليبية، ورغبة الدول الغربية في استمرار الوضع الليبي كما هو عليه.
وللوقوف على تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية وأفق الحل في ظل هذه المعطيات أجرت صحيفة “الموقف الليبي” استطلاع رأي للنخب السياسية والثقافية من المهتمين بالشأن الوطني حول ضبابية المشهد الليبي ورؤيتهم لحل الأزمة.


وعن هذ الموضوع أكد الأستاذ أسعد زهيو، مؤسس حزب (التجمع الوطني) ومرشح رئاسي، أن ليبيا تشهد منذ عقد ونيف صراعًا داخليًّا مستمرًّا، تسبب في تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين وتدمير البنية التحتية، وعرقلة مسيرة التنمية، فبدلًا من بناء دولة المؤسسات، انزاحت ليبيا نحو مستنقع الصراع المسلح والتدخلات الخارجية التي زادت من تعقيد الأزمة.
إن ما يزيد الطين بلة هو أن الحلول المقترحة للأزمة الليبية غالبًا ما تكون مرتبطة بمصالح الأطراف الدولية المتدخلة، أكثر منها بالمصالح الوطنية الليبية، فالحوارات التي ترعاها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وإن كانت ضرورية، إلا أنها لم تسفر حتى الآن عن نتائج ملموسة سوى تكريسها للتقاسم الفج للسلطة بين الأطراف المتصارعة التي لا تملك من الشرعية غير اسمها.
ومن الجدير بالذكر أن حكومة الوحدة الوطنية التي تم تشكيلها بموجب اتفاق جنيف، فشلت في تحقيق أهدافها، وزادت من تعقيد الأزمة بسبب ممارساتها، هذا الواقع يثير القلق بشأن مستقبل ليبيا ومستقبل أجيالها القادمة، وبالتالي الدعوة ينبغي أن تكون دائما وأبدًا لتغيير هذا الوضع، نحو بناء الدولة الغائبة اليوم، وحتى المحاولات التي تجرى هنا وهناك ومحاولات فتح مسارات سياسية من قبل الأمم المتحدة لمعالجة الانقسام الحاصل، وأيضًا شكليًّا الحديث عن تهيئة الظروف للانتخابات، في حقيقة الأمر هي لا تعالج جذور وأسباب الصراع، وإنما تعالج فقط مشكلة متعلقة بتقاسم السلطة، ولهذا لن يستفيد الليبيون من هذه الحوارات بقدر استفادة الأطراف الدولية المتدخلة في الحالة الليبية وتحقيق مصالحها، وقد تتماهى وتتماشى هذه المعالجات مع كثير من الأطراف المحلية التي هي جزء من السلطة في مستوياتها المختلفة.
هناك إمكانية لإجراء حوار سياسي جديد، وقد يكون قريبًا جدًّا، حتى قبل نهاية ديسمبر الجاري، وقد يتم الإعلان عن فتح مسار سياسي من قبل بعثة الأمم المتحدة، وقد يفضي هذا الحوار إلى تشكيل حكومة جديدة، وأيضًا إلى بعض الترتيبات الأخرى كالحديث عن ترتيبات الانتخابات والقوانين الناظمة لهذه العملية الانتخابية وتوحيد المؤسسات وغيرها.
لم يعد باستطاعة الأطراف الليبية وحدها تشكيل مشهد جديد وخلق سلطة، لأن مفهومي لإمكانية تشكيل السلطة التنفيذية أصبحت لا بد أن تتم من خلال المظلة الدولية، وكمثال على ذلك عندما نعود إلى حوارات (الصخيرات وتونس_ جنيف)، سنجد أن هاتين السلطتين فقط اللتين تم الاعتراف بهما وتم استخدامهما من خلال الرعاية الدولية، وإن كل السلطات المحلية التي أنشئت من خلال تفاهمات أو توافقات محلية لم يتم الاعتراف بها.
طالما لم يعمل الليبيون على تجاوز آثار الأزمة التي تحيط بهم والتي أضرت بمصالحهم وبحياتهم اليومية ومعيشتهم، ولم ينبذوا التدخلات الخارجية بكل أشكالها وألوانها وأن يقرروا الجلوس معًا على طاولة واحدة من أجل مستقبل بلدهم، فأعتقد أن البلد سيستمر في هذه المراوحة إلى أن يصل إلى أحد المخاوف التي دائمًا نتحدث عنها وهي إما الذوبان والتلاشي أو الانقسام لا سمح الله، ولهذا نعتقد أن المعالجات التي يتم إجراؤها بين حين وآخر والتي تشرف عليها في بعض الأحيان الأمم المتحدة، لا تعالج جذور وأسباب الصراع، وهذه إشكالية كبيرة جدا ينبغي الوقوف عندها، بالإضافة إلى كثير من الإشكاليات التي لها علاقة ببنية السلطة الموجودة اليوم واستشراء الفساد والمحسوبية والانقسام الحاد في مؤسسات الدولة الذي بدأ يتجذر اليوم في مختلف إدارات ومؤسسات الدولة.
في الختام، فإن الأزمة الليبية تتطلب حلولًا شاملة وجذرية، تستند إلى الحوار الوطني الشامل، وبناء الثقة بين الأطراف الليبية، وتحييد التدخلات الخارجية. فليبيا تستحق مستقبلًا أفضل، بعيدًا عن الصراعات والانقسامات.


وقال الأستاذ محمود امجبر وزير الإعلام الأسبق: المشهد الليبي معقد ومتشابك، ويعكس تدخلات سياسية واقتصادية وأمنية متعددة. بناءً على المعلومات المتاحة، يمكن تحليل الوضع على النحو التالي:
التحضير لاجتماع لندن: الاجتماع الذي كان من المتوقع أن يدوم ساعات، انتهى في عشر دقائق فقط، مما يشير إلى أن الحلول الدولية أصبحت أكثر وضوحًا. حيث أشارت ستيفاني خوري إلى أن الحل سيكون دوليًّا، مع حكومة قوية تعتمد على اختيارات خارجية، ما يعكس توجه الأمم المتحدة نحو استقرار ليبيا في ظل المتغيرات السياسية الدولية
تداعيات الوضع في سوريا: الأحداث في سوريا لها تأثيرات مباشرة على ليبيا، حيث إن الاستقرار في المنطقة مرتبط بشكل وثيق. فالتدخلات الدولية في سوريا قد تؤثر على التوازنات في ليبيا أيضًا.
مصلحة أمريكا في استقرار ليبيا: الولايات المتحدة ترى في استقرار ليبيا فرصة للاستفادة من مواردها الاقتصادية، مما سينعكس إيجابًا على الاقتصاد الأمريكي. هذا يعكس أهمية ليبيا في السياسة الخارجية الأمريكية.
تقليص الدور الفرنسي: التحركات الأخيرة لطرد الفرنسيين من الدول المجاورة لليبيا ساهمت في تقليص دورهم، ما أتاح مجالًا أكبر للروس للتوغل. كما تسعى الولايات المتحدة إلى إيقاف هذا التمدد الروسي، ما يعكس التنافس الدولي على النفوذ في المنطقة.
إيجاد حكومة قوية: المجتمع الدولي يسعى إلى إيجاد حكومة قوية في ليبيا تستطيع بسط سيطرتها على البلاد، ما يسهل استغلال الموارد البشرية والتنمية لصالح المصالح الدولية.
استبعاد بعض الدول من اجتماع لندن: استبعاد روسيا وقطر والإمارات ومصر من اجتماع لندن قد يغير موازين القوى ويقلب التوقعات، ما يشير إلى أن المرحلة القادمة ستكون مليئة بالتحديات والسيناريوهات المحتملة.
بناءً على هذه المعطيات، يمكن القول إن المشهد الليبي يتجه نحو مزيد من التعقيد، مع احتمالات متعددة تتراوح بين الاستقرار والفوضى، اعتمادًا على التوازنات الدولية والإقليمية.


من جانبه أسهب الأستاذ عبدالمجيد قاسم أستاذ وباحث في الشأن السياسي، في تصويره للمشهد الحالي لليبيا قائلًا: يمر المشهد السياسي الليبي بحالةٍ من الجمود التي طال أمدها نسبيًّا، حيث يتمسك كل طرف بموقعه، ليبقى الوضع عالقًا بين حكومتين؛ إحداهما في الغرب والأخرى في الشرق، مع انقسام المؤسسة العسكرية، وبقاء جسم رديف وموازٍ للمؤسسة التشريعية ألا وهو مجلس الدولة.
وهذا الجمود يبدو أنه ليس مجرد حالة من الانتظار، بل يعكس رغبةً غير معلنةٍ في الحفاظ على الوضع الراهن وتوازنه، فثمة حرص من الأطراف الفاعلة على أن تبقى الأمور على ما هي عليه، حيث يسود نوع من التوافق على أدوار محددة، ونوع من التعاون الخفي في بعض الملفات الحيوية، وبخاصة ملف إيرادات النفط، مع عدم المساس بالحدود الجغرافية التي يسيطر عليها كل طرف.
إضافة إلى ذلك، تُظهر هذه المرحلة نوعًا من الحرص على وحدة بعض المؤسسات، مثل “المؤسسة الوطنية للنفط” و”مصرف ليبيا المركزي” و”مؤسسة القضاء” التي ظلت تعمل بشكل مستقل نسبيًّا عن التجاذبات السياسية، مع ركون الأطراف السياسية إلى تأجيل المعارك وعدم التصعيد، وقد لوحظ أيضًا انتهاج سياسة خلق الرموز، فمجلس النواب أصبح مرادفًا لوجود عقيلة صالح، والحكومتان تعنيان الدبيبة وحماد، بينما يمثل المجلس الرئاسي المنفي والمجلس الأعلى للدولة المشري وتكالة، مع الاحتفاظ بعدو رمزي يتمثل في سيف الإسلام القذافي لمنع إجراء الانتخابات في الأمد القريب.
هذه الديناميكية السياسية جعلت المشهد السياسي الليبي أشبه بالجدارية التي يعد شخوصها جزءًا منها، وقد ترتب عليها هذا الاستقرار المؤقت الذي تسيطر عليه حالة من التأجيل والانتظار، فالاستقرار النسبي، رغم هشاشته، قد يكون هو المطلوب حاليًا، ليس فقط من قبل الأطراف الداخلية، ولكن أيضًا من قبل المجتمع الدولي الذي يتطلع إلى عدم التصعيد في ليبيا في ظل الأزمات العالمية الأخرى، مثل الصراع في أوكرانيا والتوترات في محيط الكيان الصهيوني، وغير ذلك.
إن اقتراح تشكيل حكومة ثالثة كحلٍ للأزمة السياسية ليس سوى تكتيك جديد في صراع متجدد على الشرعية، لأن المشكلة الحقيقية ليست في الحكومتين فقط، بل في كل الأجسام السياسية التي تقاسمت الشرعية، وأصبح لها تأثير كبير على العملية السياسية، ومن هذه الأجسام مجلس الدولة الذي تشكل من أعضاء المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، الذين باتوا جزءًا من المشهد السياسي دون أن تكون شرعيتهم مرتبطة بمدة ولايتهم، بل بكونهم جزءًا من التجاذبات السياسية القائمة.
لذا لا يمكن التكهن بما سيحدث مستقبلًا على الصعيد السياسي الليبي، لكن تظل فرضية بقاء الحال على ما هو عليه لسنوات هي الأرجح، مع احتمالية الوصول إلى نقطة المواجهة إلا إذا تسامت أطراف النزاع، أو لنسمهم الفرقاء، تساموا على الاعتبارات الذاتية، وغلَّبوا اعتبار الوطن ومصلحة ليبيا، وتركوا الشعب ليقرر مصير بلاده بانتخابات نزيهة يرتضيها الجميع، وبدستور دائم يحدد شكل الدولة ونظامها السياسي، وحقوق مواطنيها، وواجباتهم تجاه بلدهم.
وفي النهاية، أؤكد أن ليبيا تستحق التضحية من الجميع، وشعبها يستحق العيش في دولة موحدة، متماسكة، تنعم بالاستقرار الذي لن ينعكس فقط على الليبيين؛ بل سيمتد إلى شعوب الجوار العربي والإفريقي والمتوسطي، ما يعزز أمن المنطقة بأكملها.
وقال الدكتور سامي الصيد الرخصي رئيس حزب المستقلين الديمقراطي: يمكن وصف المشهد الليبي الحالي بأنه في حالة انسداد سياسي وأزمة شاملة تشمل كافة المجالات. الانقسام السياسي الحاد، الذي طال أمده، يعكس فشل المؤسسات القائمة في تلبية احتياجات المواطن الليبي أو التقدم نحو حل شامل ومستدام للأزمة.
على المستوى السياسي، يبدو أن كل الأطراف الفاعلة، سواء المحلية أم الدولية، قد تورطت في إدارة الصراع بدلًا من السعي لحلِّه. الانقسام الدولي حول الملف الليبي يزيد تعقيد المشهد، حيث تحاول كل دولة تحقيق مصالحها الخاصة على حساب المصلحة الوطنية لليبيا، ما يؤدي إلى تكريس حالة الجمود الحالية.
اقتصاديًّا، ورغم استمرار إنتاج النفط، فإن العوائد النفطية لم تُترجم إلى تحسين حقيقي في حياة المواطن الليبي بسبب انتشار الفساد وسوء الإدارة، ما عمَّق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والحل يتطلب:
إعادة هيكلة السلطة التنفيذية من خلال تشكيل حكومة موحدة قادرة على بسط نفوذها في كافة أنحاء البلاد، بعيدًا عن المحاصصات الإقليمية أو الولاءات الضيقة.
معالجة الملف الأمني، الذي يُعد العقبة الأبرز أمام أي تقدم سياسي أو اقتصادي، من خلال توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية تحت قيادة وطنية واحدة.
إجراء انتخابات شاملة ونزيهة بعد تهيئة الظروف المناسبة، وضمان استقلالية المؤسسات المشرفة على العملية الانتخابية.
تعزيز دور المجتمع المدني والأحزاب السياسية، لتكون أداة للتغيير والتنمية، بعيدًا عن التصنيفات الأيديولوجية أو الانقسامات.
إيجاد موقف دولي موحَّد يضمن احترام سيادة ليبيا، بعيدًا عن التدخلات.
إذا استمر الوضع الراهن دون تدخل حاسم، فإن السيناريوهات السلبية، من استمرار الفوضى إلى تصعيد الصراع، تبقى واردة. ومع ذلك، فإن الأمل دائمًا موجود في الإرادة الشعبية الليبية التي تطمح إلى حياة كريمة ودولة مستقرة.


الدكتور سلامة الغويل المترشح الرئاسي ورئيس حزب الصف الوطني يرى أن المشهد الليبي انعكاس للمشهد الدولي عبر منظومة المصالح الدولية المتداخلة التي بدورها أفرزت تحالفات وتقاطعات بين الإخوة الفرقاء في وطن مترامي الأطراف يعاني شعبه بين الانقسام والمركزية ويتطلع اليوم إلى توحيد حكومته للسير نحو الاستحقاق الانتخابي والاستقرار والسلام.
اقتصاديًّا، لا يزال الرهان على تحسن الوضع المعيشي لم يتحقق بعد سنوات من الإخفاقات في معالجة مشاكل السيولة والوقود والكهرباء التي تحسنت جزئيًّا وذلك في غياب رؤية اقتصادية شاملة.
اجتماعيًّا، لا يزال القلق من العودة إلى الحرب هاجسًا يقض مضاجع الليبيين بعد سنوات من الحروب والإرهاب والنزوح وحالات التهجير والمقابر الجماعية.
ولكن أمام الليبيين اليوم فرصة لإتمام التحول الديمقراطي وتحسين الاقتصاد وبناء منظومة مجتمعية وطنية عبر دعم مخرجات 6+6 وخارطة الطريق نحو الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى